الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيما يسقط الإيلاء وفي صفة الفيئة

                                                                                                                                                                                        اختلف في المولي هل هو مطالب بالفيئة قبل انقضاء أجل الإيلاء، أو عند انقضائه، أو له زيادة بعد ذلك؟

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن الماجشون في كتابه عن مالك أنه كان يقول: يقع الطلاق بمضي الأربعة الأشهر. فجعل المطالبة بالفيئة في الأربعة الأشهر، ويلزم على هذا إذا كان أجل الإيلاء أربعة أشهر أن يكون على حكم المولي، فإن أصاب في الأربعة، وإلا وقع السلطان الطلاق بمضيها.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: قول مالك في وقوع الطلاق على المولي وهي حائض إن ذلك إذا كان يرى الطلاق بمرور الأجل. وقال مالك في كتاب المدنيين: إذا تم الأجل وقفه الإمام ساعة ترفعه، قال: وذلك إن كان الأجل الذي جعل له قد انقضى وفرغ إليه منه. ولم ير أن يزاد على الأجل شيئا، وقال ابن القاسم عنه: يؤخر المدة بعد المدة، فإن فاء وإلا طلق عليه، وقد يكون ذلك قريبا بعضه من بعض. [ ص: 2407 ]

                                                                                                                                                                                        وروى عنه ابن وهب في كتاب محمد أنه قال: يؤخر، وإن أقام في الاختيار حتى تحيض ثلاث حيض أو أكثر فإنه يوقف أيضا، فإن قال: أنا أفي خلي بينه وبينها، إلا أن يكثر ذلك فتطلق عليه.

                                                                                                                                                                                        وروى عنه أشهب أنه قال: يخلى بينه وبينها، فإن لم يفئ حتى انقضت عدتها من يوم قال: إني أفيء طلقت عليه طلقة بائنة.

                                                                                                                                                                                        فجعل المعنى للقول الأول في التربص ليصيب في الأربعة، وذلك غاية التربص، وفي القول الثاني أنه مخاطب بالإصابة عند تمامها، وليس فيها، وهذا أحسن، ولا وجه للقول بوقوع الطلاق لمرور الأجل من غير وقف؛ لأن الإصابة حق لها، فوجب ألا يقضى بذلك الحق إلا بعد قيام صاحبه به، فإذا قام بحقه أمر من قبله ذلك الحق بالوفاء به، فإن لم يفئ حكم عليه إذا طلبت الطلاق عند لدده، فإن تركت القيام بالطلاق بعد لدده لم تطلق، وقال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يوقفون المولي. وهو رأي عثمان وعلي وعائشة - رضي الله عنهم -.

                                                                                                                                                                                        وأرى ألا يمهل بعد تمام الأجل الذي جعله الله سبحانه عدلا بينهما وحكما عليهما.

                                                                                                                                                                                        وقوله في كتاب محمد: إذا لم يفئ حتى انقضت عدتها راجع إلى هذا؛ لأنه لم [ ص: 2408 ] يزد في الأجل شيئا إلا أنه يدخله الاعتراض من وجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه جعل الطلاق والعدة مترقبا، فإن وطئ كانت على الزوجية من غير طلاق، وإن لم يصب كان الطلاق واقعا من يوم انقضاء الأجل.

                                                                                                                                                                                        والوجه الثاني: أنه يخلو بها لمثل ذلك، وتبقى العدة على حكمها، ولا يكون عليها لتلك الخلوة عدة، وهذا خلاف المعروف من قوله في الخلوة، وقد قال ابن القاسم في المولي تطلق عليه امرأته ثم يرتجع ولا يطأ حتى تنقضي العدة: إنه إن خلا بها كانت عليها عدة أخرى، وإن حل الأجل وهي حائض وسأل الصبر حتى تطهر ليصيب - أمهل، وإن كان في ذلك زيادة في الأجل؛ لأن الامتناع من سببها. يريد: الحيض.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: لا أفيء هل تطلق عليه الآن، وهي حائض؟ فقيل: لا تطلق للنهي عن الطلاق في الحيض. وقيل: تطلق عليه بالقرآن، ويجبر على الرجعة بالسنة، والأول أحسن؛ لأن الطلاق حينئذ ضرر عليه من غير منفعة للزوجة؛ لأنه يجبر على الرجعة، فتبقى زوجة، ثم تطهر فتطلق عليه أخرى من غير منفعة في الأولى.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا تعدى فوطئها وهي حائض أو صائمة هل يسقط حكم الإيلاء، قياسا على وقوع الإحلال به والإحصان؟ والقياس أن يسقط حقها في الإصابة؛ لأنها نالت من ذلك ما كانت تجد قبل لو كانت طاهرة أو مفطرة. [ ص: 2409 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية