الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في خلع الأب والوصي والسلطان على البكر والثيب]

                                                                                                                                                                                        يجوز خلع الأب على ابنته إذا كانت غير بالغ بكرا كانت أو ثيبا، وعلى البالغ إذا كانت بكرا لم يدخل بها أو مدخولا بها ولم تطل إقامتها; لأن له الجبر على النكاح في هذه الحالات، وإذا كان له الجبر كان الخلع إليه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت ثيبا تأيمت قبل البلوغ ثم بلغت، فقيل: له أن يجبرها على النكاح، فعلى هذا له أن يخالع عليها، وقيل: لا يجبرها، ولا يخالع عليها.

                                                                                                                                                                                        واختلف في خلع الوصي والسلطان على البكر والثيب السفيهة، فعلى قول مالك في المدونة: لا يجوز ذلك إلا للأب وحده؛ لأنه منع أن يضع الأب مع بقاء العصمة، وقال مالك في المبسوط: يجوز مبارأة الوصي عن يتيمته الصغيرة ما لم تبلغ.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيه عن ابن القاسم، فقال عيسى في كتاب المدنيين: رجع ابن القاسم إلى أن مبارأة الوصي والسلطان جائزة على الصغيرة إذا كان ذلك حسن نظر. وهو أحسن، وقد يفرق بينهما لما يصل إليها من الإساءة، ويعجز عن [ ص: 2551 ] إثبات ذلك، أو لما يعلم من كثرة أيمانه بالطلاق، وأنها معه حرام، أو يتوسل إلى مالها ويتلفه، ولا يعترض هذا بالنكاح في ثاني حال; لأنا لا نمنع أجنبيا يعطي الزوج شيئا على الخلع، وإن كان ذلك يؤدي إلى حاجتها إلى زوج غيره.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في الوصي يخالع عمن في ولايته بأقل من نصف الصداق قبل البناء على وجه النظر لفساد وقع أو ضرر بين: فذلك جائز عليها. ولم يفرق بين بالغ ولا غيرها، وكذلك روى ابن نافع عن مالك أنه قال: لا بأس أن يبارئ الوصي عن يتيمته، وإن كان أبوها زوجها من قبل أن يوصي إليه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وهذا صواب; لأنه الناظر لها فيما يكون من مصالحها في نفس أو مال، فأي ذلك رآه صوابا فعله.

                                                                                                                                                                                        واختلف في السيد يخالع عن عبده أو أمته إذا كانا صغيرين، فروى ابن نافع عن مالك أنه أجازه، وأنكر ذلك سحنون. وأرى أن يجوز ذلك في الأمة; لأن الطلاق بيد الزوج، وقد كان للسيد أن ينتزع مالها، وإن كان ذلك الذي يخالع به من صداقها فلا مقال للأمة فيه، وإنما المقال فيه للزوج مع بقاء العصمة بخلاف العبد; لأنه يتهم أن يفرغ عبده، فإن فعل رفع الأمر إلى السلطان، فإن رأى أن ذلك حسن نظر للعبد مضى، وإلا رد. [ ص: 2552 ]

                                                                                                                                                                                        فإن خالع الأب على ابنته وضمن الصداق، فإن قصد بالضمان حمله وأن يؤديه عنه لزمه، فإن كانت الابنة بكرا أتبعته به، ولم يكن لها مقال على الزوج، وإن كانت ثيبا رشيدة كانت بالخيار بين أن تتبع به الأب أو تتبع الزوج، ويرجع الزوج على الأب، وإن كان ضمان درك إن وجب لها قيام لم يكن لها شيء -إن كانت بكرا- لأن خلع الأب جائز عليها، وإن كانت ثيبا رشيدة كان لها القيام على أيهما أحبت، فإن رجعت على الزوج رجع الزوج على الأب، وإن رجعت على الأب لم يكن لها رجوع على الزوج، وإن كانت سفيهة لم ترجع على أحد على المستحسن من القول; لأن خلع الأب جائز عليها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية