الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن حلف ألا يتزوج إلى أجل]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن حلف ألا يتزوج إلى أجل كذا -مما يرى أنه يعيش إليه- لزمه، وإلا لم يلزمه. وقال في غلام له عشرون سنة حلف في سنة ستين ومائة أن كل امرأة يتزوجها إلى سنة مائتين طالق، إن اليمين لازمة له، والقياس في هذا أن لا شيء عليه; لأنه قد عم المعترك من العمر، وزمن الشبيبة الوقت الذي يحتاج إليه في مثل ذلك، ويشق عليه الصبر فيه، ولم يبق إلا الموت أو قلة حراك، وأرى: أنه لو قال: كل امرأة أتزوجها بعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة، وهو ابن عشرين سنة، أنه يلزمه; لأنه أبقى لنفسه الزمن الذي يحتاج إليه لذلك، وعم زمنا لا يلحقه في مثله مشقة، والمضرة التي تلحقه إذا حلف أنه لا يتزوج إلى أربعين سنة أعظم من المضرة التي تلحقه إذا أبقى لنفسه هذه السنين، وعلق المنع بما بعدها، واختلف إذا كان الأجل حياة فلان، فقال: كل امرأة أتزوجها ما عاش فلان طالق، فقيل: يلزمه؛ لإمكان أن يموت فلان قبله، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: لا شيء عليه. يريد: لإمكان [ ص: 2642 ] أن يموت هو قبل فلان، فيكون بمنزلة من عم جميع الأزمنة، وإن قال: كل امرأة أتزوجها من قبيل كذا- لزمه. وإن قال: إلا من قبيل كذا، فإن كان ذلك القبيل واسعا لزمه، وإن كان قليلا لم يلزمه. وإن قال: كل امرأة أتزوجها من مدينة كذا- فيلزمه. وإن قال: إلا من مدينة كذا، فإن كانت كبيرة لزمه، وإن كان فيها النفر اليسير لم يلزمه، وهذا قول ابن القاسم، وإن قال: كل امرأة أتزوجها فنوى فلانة لم يلزمه. قال محمد: ولو قالت له تلك المرأة: أنا أسهل عليك وأتزوجك- لم يلزمه. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الذي سمعنا من مالك وغيره من علماء المدينة إذا قال: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة طالق- أن ذلك يلزمه. قال ابن الماجشون، وإن كان التي استثنى متزوجة أو أيما ثم تزوجت كانت اليمين لازمة، وينتظر رجوعها، وكذلك لو تزوجها ثم طلقها ألبتة، فإنه ينتظرها؛ لأنها قد تتزوج فيبرأ أو يموت عنها فترجع حلالا، ولو كانت صغيرة وتبلغ مبلغ النكاح في حياته وقبل انتهاء تعميره- لزمه، ولو تزوجها وهي في عدة من غيره ودخل بها خرج من يمينه; لأنها لا تحل له أبدا. وقال مطرف: إذا كانت التي استثنى متزوجة أو أيما فتزوجت فقد خرج من يمينه. فرأى مالك على هذا القول أن الأصل: انعقاد اليمين إذا علقها بمن تتزوج، إلا أن يعم النساء، فيسقط للحرج، فإذا [ ص: 2643 ] استثنى ما يرفع الحرج والتضييق عنه- لزمه، فإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا الزوجة التي معي أو إلا فلانة، فرضيت بتزويجه- لزمه; لأن الواحدة تحصن وتعف، ويمنع من أخرى إذا كان على طريق التوسع، ولا يمنع إذا كان للضرورة، ولا إذا لم ترض فلانة بتزويجه، ويلزم على هذا إذا قال: كل امرأة أتزوجها طالق- أن يباح له واحدة، ويمنع ما سواها إلا أن تكون ضرورة إلى أخرى.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية