الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الطلاق بالكتاب

                                                                                                                                                                                        اختلف في الصفة التي يكتب بها الغائب إذا أحب الطلاق على ثلاثة أقوال، فقال ابن القاسم: يكتب إذا جاءك كتابي وأنت طاهر فأنت طالق، ولا يزيد على ذلك، فإن كانت طاهرا وقع الطلاق، وإن كانت حائضا بقيت زوجة، وإن كانت حاملا كتب: إن كنت حاملا أو طاهرا بعد أن وضعت فأنت طالق، ولا يزيد على ذلك، فإن كانت على ما شرط وقع الطلاق، وإن كانت نفساء بقيت، وأجاز أشهب في كتاب محمد أن يقول: إن كنت حائضا فأنت طالق إذا طهرت، وهذا صحيح على أصله; لأنه يقول: من قال لزوجته وهي حائض: أنت طالق إذا طهرت لم تطلق حتى تطهر، وقال أحمد بن المعذل في المبسوط: يكتب بإيقاع الطلاق يوم كتب الكتاب، ولا يكتب: إذا طهرت من حيضتك بعد وصول كتابي إليك فأنت طالق، فأما من قال: إن منع الطلاق في الحيض شرع غير معلل، فإنه يكتب على ما ذهب إليه ابن القاسم، ومن قال: إنه معلل لئلا يطول عليها العدة فإنه يجيز أن يوقع عليها الطلاق الآن، وقد لا يصل الكتاب إلا وقد انقضت عدتها، وقد يجوز ذلك مع تسليم القول أنه شرع للضرورة; لأن المنع يؤدي إلى بقاء عصمة من يكره، وقد تبعد المسافة ويجب إسقاط النفقة، وإن كانت الزوجة صغيرة أو يائسة جاز أن يكتب بإيقاع الطلاق [ ص: 2663 ] الآن، وإذا كتب وهو عازم على الطلاق وقع الطلاق، وإن لم يخرج الكتاب عن يده، وإن كتب وهو غير عازم لم يقع طلاق، وإن خرج عن يده إذا علم أنه أخرجه لينظر في ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا خرج الكتاب عن يده، ولم يعلم هل كان عازما أم لا، فقال ابن القاسم في المدونة: ذلك له، وله أن يرده ما لم يبلغها الكتاب، وقال محمد: ذلك له ما لم يخرجه عن يده ويحلف، فإن خرج عن يده كان كالناطق به وكالإشهاد، قاله مالك، وسواء كان في خط الكتاب: أنت طالق، أو: إذا جاءك كتابي فأنت طالق، فلا ينوى إذا خرج الكتاب من يده، وإن لم يصل إليها، وقال مالك فيمن قال: خدعتني امرأتي حتى كتبت لأبيها بطلاقها ليقدم، صدق إن كان مأمونا ولم يحلف، وفرق بين الكتاب لأبيها بذلك أو إليها؛ لأنه يتصور في الكتاب إلى أبيها ما ادعاه، ولا يتصور مثل ذلك في الكتاب إليها. [ ص: 2664 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية