الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في طلاق المكره]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: طلاق المكره غير لازم، وذكر ابن وهب في كتاب ابن سحنون عن عمر وعلي وعبد الله بن عمر وابن عباس وعبد الله بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ومجاهد وطاوس وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط والحسن البصري وشريح- أن طلاق المكره غير لازم، وذكر غيره مثل ذلك عن ابن عون وأيوب السختياني والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وأجازه النخعي [ ص: 2666 ] والشعبي وأبو قلابة والزهري وقتادة وأبو حنيفة وصاحباه، واحتج من نصر القول الأول بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أخرجه البخاري ومسلم، وروي عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا طلاق في إغلاق"، قيل: معناه في إكراه، فطلاق المكره على ثلاثة أوجه؛ يسقط في وجهين ويثبت في ثالث، فإن جعله نطقا بغير نية لم يلزمه، والصحيح من المذهب فيمن وقع منه الطلاق بغير نية أن لا يلزمه، وإن لم يكن مكرها فهو في المكره أبين، وإن نوى الطلاق وهو عالم ذاكر بأن يجعله لفظا بغير نية لزمه; لأن النية لا تدخل تحت الإكراه وهو طائع بالنية، وإن لم تكن مهلة عند الإكراه فيجعله نطقا بغير نية، أو كان يجهل إخراج النية لم يلزمه على الظاهر من المذهب، وقد يحمل الاختلاف، وقول من ألزمه الطلاق على هذا القسم.

                                                                                                                                                                                        والإكراه على وجوه، وهو أن يكره على إيقاع الطلاق، أو على أن يحلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا، ثم يفعله طوعا، أو على أن يحلف ليفعلن فلا يفعل، وكذلك إن حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا، فأكره على فعله، مثل أن يحلف أن لا يدخل دار فلان، فحمل حتى أدخلها، أو أكره حتى دخلها بنفسه، أو حلف ليدخلنها في وقت كذا، فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت فهو في جميع [ ص: 2667 ] ذلك غير حانث، فأما إن حمل حتى أدخل لم يحنث؛ لأن ذلك الفعل لا ينسب إليه، ولا يقال: فلان دخل الدار، ويختلف إذا أكره حتى دخل بنفسه، أو حيل بينه وبين الدخول إذا حلف ليدخلن، فمن حمل الأيمان على المقاصد لم يحنثه، ومن حملها على مجرد اللفظ حنث؛ لأن هذا دخل ووجد منه الفعل وينسب إليه، والآخر حلف ليحلفن فلم يوجد منه ذلك الفعل، وقد اختلف فيمن حلف ليذبحن حمام يتيمه فوجدها قد ماتت، وقال في المدونة فيمن حلف بعتق أمته ليبيعنها فوجدها حاملا منه، قال: تعتق عليه، ولا فرق إذا لم يوجد منه ذلك الفعل بين أن يكون ذلك بموت أو لحمل أو لإنسان منعه منه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية