الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في السلم في الخيل والبغال والحمير]

                                                                                                                                                                                        ويجوز سلم الفرس الواحد في الفرس إذا كان يرغب في أحدهما لجماله والآخر لسرعته، فتكون حينئذ مبايعة.

                                                                                                                                                                                        فإن تساويا في السبق وأحدهما أجمل أو أردأ، أو تساويا في الجمال أو السمانة أو الرداءة وأحدهما أسبق لم يجز؛ لأنه إذا كان الفضل من أحدهما لم تكن مبايعة إلا أن يختلف العدد وتكون كثرة العدد في جنبة أدناهم في السبق أو الجمال أو غيره فيكون مبايعة، فيكون قد ترك هذا الجودة لمكان فضل العدد في الآخر.

                                                                                                                                                                                        واختلف في البغال والحمير: فقال ابن القاسم: كره ذلك مالك. [ ص: 2883 ]

                                                                                                                                                                                        وكأنه رآهما صنفا واحدا، وجعلهما ابن حبيب صنفين، يجوز سلم أحدهما في الآخر.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن؛ لأن منافعهما متقاربة إما أن تراد للحمل أو للركوب، وليس يفترقان إلا من باب جودة ودناءة، والبغال في معنى الجيد، والحمير في معنى الدنيء، فلا يسلم حمار في بغل؛ لأنه من باب سلف بزيادة، ولا بغل في حمار؛ لأنه ضمان بجعل، ويجوز أن يسلم بغلا في حمارين أو أكثر، فتكون الجودة في مقابلة كثرة العدد.

                                                                                                                                                                                        ويجوز أن يسلم بغلا للركوب في أقوى منه يراد للحمل، وحمارا قويا يراد للحمل في أقل حمل منه إذا كان يراد للركوب وللسرج، واختلف في سرعة السير، فلم ير ذلك محمد شيئا.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك: إذا اختلفا في سيرهما كاختلاف سير الخيل جاز سلم أحدهما في الآخر، قال: لأن فضل السير هو الذي يراد من البغال والحمير وهو أحسن، ولا شك أنه زيادة فضل، ويزاد في الثمن لأجله إذا كان سيرا بينا والآخر معه في معنى الدنيء، فيسلم المسيار في اثنين دونه.

                                                                                                                                                                                        وإسلام الصغار في الصغار على نحو ما تقدم في الكبار، فإن تساوت في السبق والجودة والمنفعة، لم يجز أن يسلم أحدهما في الآخر، ولا واحد في اثنين. [ ص: 2884 ]

                                                                                                                                                                                        وإن اختلف السن والجودة والمنفعة، جاز أن يسلم واحدا في واحد إذا كان أحدهما أسن والآخر أجود وأحسن منفعة، وإن رجح أحدهما بشيء واحد وتساويا فيما سوى ذلك لم يجز السلم إلا أن يختلف العدد، ويكون كثرة العدد في جنبة أصغرهما أو أدناهما.

                                                                                                                                                                                        وأما الكبار بالصغار فإن الإبل والبقر والبغال والحمير في ذلك سواء، يجوز أن يسلم كبير في صغيرين أو أكثر، وصغيران في كبير، فيكون كبير السن في مقابلة كثرة العدد.

                                                                                                                                                                                        ولا يجوز أن يسلم صغير واحد في كبير، ولا كبير في صغير، وهو من باب سلف بزيادة أو ضمان بجعل إلا أن يكون الصغير أحسن نجارا، أو أعتق أصلا فيجوز؛ لأنه ترك جودة الصغير لسن الكبير.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن القاسم في كتاب محمد: لا بأس أن تسلم الخيل كبارها في صغارها ما لم يكن على وجه سلف جر منفعة، وأما إذا كان على وجه البيع فلا بأس به، قال: مثل أن يسلم الصغيران في الكبير، والكبير في الصغيرين، وإذا كان صغيرا واحدا فلا خير أن يسلم في كبير ولا في كبيرين؛ لأنه من وجه الزيادة في السلف. [ ص: 2885 ]

                                                                                                                                                                                        وهذا من قوله يبين ما تقدم من هذا الأصل أن المبايعة ما كان فيه معاوضة من الجنسين، وأجاز في موضع آخر أن يسلم حوليا في قارحين. وعند ابن حبيب نحوه.

                                                                                                                                                                                        ومحمل ذلك على أن الصغير أفضل في الأصل، والآخر من حاشي ذلك الجنس.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية