الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أحكام الدراهم والدنانير الزائفة في الصرف]

                                                                                                                                                                                        فإن وجد أحدها زائفا، فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يرضى به، أو يقوم ليرده فيرضيه الآخر بشيء يدفعه إليه على ألا يرده عليه، أو لا يرضيه فيرده ويريد أن يبدله له، أو ينقض الصرف. فإن أحب التمسك به جاز ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قام ليرده فأرضاه البائع وتمسك به، وفي البدل فأجيز ومنع. ولا يخلو المتصارفان من ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يتصارفا على معينين، فيقول: أصارفك هذه الدنانير بهذه الدراهم، أو على غير معينين، فيقول: أصارفك عشرة دنانير بمائة درهم، أو يكون أحدهما معينا والآخر غير معين.

                                                                                                                                                                                        فإن كانا معينين، فوجد العيب بدنانير أو بدراهم; قدر دينار ورد، وانتقض الصرف، ويجوز أن يتراضيا على البدل، ولا خلاف في هذين أن الصرف منتقض بنفس الرد، وأن التراضي بالبدل جائز; لأنه لما كان معينا لم يلزم المردود عليه أن يأتي ببدله، فانتقض الصرف، وإذا انتقض الصرف كان [ ص: 2773 ] ما تراضيا عليه الآن صرفا مبتدأ، ولم يجز إذا لم يكن معينا; لأنه يأخذ الآن ما كان عليهما أن يتناجزا فيه اليوم الأول.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أحدهما معينا والآخر غير معين، فقال: أصارفك هذا الدينار بعشرين درهما، فوجد العيب بالدينار، فرده- انتقض الصرف، وجاز البدل.

                                                                                                                                                                                        وإن كان العيب بالدراهم لم يجز البدل عند مالك وابن القاسم، وأجازه ابن شهاب، والليث، وابن وهب. وهو أقيس، إذا كانا قد اختبرا ما تصارفا عليه، وقلباه، فما وجد بعد ذلك فهو من باب الغلبة في الصرف إذا لم يكن دافع الزائف مدلسا، وأما ما يحمل الناس عليه اليوم فالمنع والفسخ; لأن كثيرا منهم يعمل على الفساد، ويعطي على غير التغليب; ليبدل له بعد ذلك ما وجده زائفا، فكان حماية هذا الباب أولى.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحكم ألا يبدل; لأن الصرف على معين ولم يتراضيا بالبدل في دينار واحد، ووجد الآخر درهما زائفا- انتقض جميع الصرف إلا على قول من أجاز صرف بعض دينار، فينتقض ما ينوب الزائف خاصة، وإن كان الصرف دنانير انتقض صرف دينار. وعلى القول الآخر ينتقض بقدر ما يرد، وإن عاد شريكا في دينار. [ ص: 2774 ]

                                                                                                                                                                                        ويجري فيها قول ثالث: أنه ينتقض جميع الصرف; لأنهما لو عقدا الصرف على تسعة وتسعين دينارا ونصف على أن يسلم المائة ويكون شريكا بالنصف- لم يجز.

                                                                                                                                                                                        وإن كان يقابل الزائف دينارا واحدا، ووجد العيب بدينار- انتقض صرف دينار قولا واحدا، ويكون حكم ما قابل الزائف حكم الزائد يجده أحدهما عنده; لأن الحكم لو علم به قبل الافتراق أن يسقط من الصرف ما يقابله فقط ويرد الزائف، بخلاف غير المعين، فإن كان ذلك قائما انصرف أحدهما بزائد معه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية