الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب [في الصرف والبيع في عقد واحد]

                                                                                                                                                                                        قال مالك: لا يجوز صرف وبيع، ولا نكاح وبيع، وكذلك المساقاة والجعل والقراض والشركة، لا يجمع عنده شيء من ذلك إلى البيع.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في جميع ذلك، وقد تقدم في كتاب النكاح الثاني ذكر الاختلاف في النكاح والبيع، وفي كتاب الجعل ذكر الاختلاف في البيع والجعل، وفي كتاب البيعتين بالخيار الاختلاف في بيع بت وخيار في عقد واحد.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في البيع والمساقاة على مثل ذلك، فأما الصرف والبيع فاختلف فيه على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقيل: يجوز ذلك في دينار واحد، وسواء كان البيع والدراهم متكافئين ينوب كل واحد منهما نصف الدينار، أو كان أحدهما تبعا للآخر، ولا يجوز في دينارين إذا كان الذي ينوب الصرف دينارا، والذي ينوب البيع دينارا، وإذا كان الصرف الأكثر أو البيع الأكثر جاز؛ لأن الصرف والبيع في دينار وما سواه صرف محض، أو بيع محض، وكذلك إذا كثرت الدنانير، وإن كان الصرف والبيع في دينار وما سواه بيع كله أو صرف كله جاز، مثل أن يكون مائة دينار والصرف والبيع في دينار، والذي ينوب التسعة والتسعين الباقية بيع؛ لأنها عروض، أو صرف؛ لأنها دراهم، فذلك جائز، فإن كان على غير ذلك لم يجز، وهذا قول مالك وابن القاسم. [ ص: 2815 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إنما يجوز ذلك في أقل الدينار، مثل أن يشتري الثوب بثلثين أو بثلاثة أرباع دينار، فيدفع دينارا ويأخذ فضله ورقا، ولو كان الورق أكثر الدينار لم يكن فيه خير.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: لا يجوز البيع والصرف في دينار إلا أن يكون يسيرا، مثل أن يصرف دينارا بعشرة دراهم، فيعجز الدرهم أو النصف، فيدفع إليه عرضا بقدره، أو يزيد الدينار أو الدرهم، وكسره غير جائز، فها هنا يجوز للضرورة; لأنه يعلم أن البيع غير مقصود مع ذلك في دينار. إلا أن يكون أحدهما يسيرا مما لا تدعو الضرورة إليه.

                                                                                                                                                                                        وأجاز أشهب في مدونته الصرف والبيع.

                                                                                                                                                                                        ولمالك في كتاب محمد مثله في رجل باع مائة ثوب أو مائة جلد، كل ثوب أو جلد بدينار إلا ثلاثة دراهم: لا بأس به إذا كان كل ذلك نقدا. فأجاز في هذه المسألة بيعا وصرفا؛ لأن جملة الدراهم ثلاثمائة درهم.

                                                                                                                                                                                        ولو كان من عند أحدهما دنانير وعرض، ومن عند الآخر دراهم وعرض، فإن كان العرضان يسيرين ينوبهما أقل من صرف دينار- جاز، وإن كان ينوبهما صرف دينار فأكثر لم يجز على قوله في منع صرف وبيع.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كانت العروض كثيرة، فإن كان الذهب والفضة أقل من [ ص: 2816 ] صرف دينار جاز، وإن كان من عند أحدهما دراهم كثيرة وعروض كثيرة، ومن عند الآخر دنانير كثيرة وعروض -لم يجز ذلك- كانت العروض التي مع الدنانير كثيرة أو قليلة- فإن كانت العروض كثيرة ومعها ذهب أقل من صرف دينار جاز.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية