الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في بيع المحلى بأحد النقدين بجنس الآخر، والمقدار المعتبر للتبعية في ذلك]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الحلي يكون ذهبا وفضة، أحدهما الثلثان والآخر الثلث، هل يباع بأقل ذلك؟ فمنعه مالك في المدونة، وأجازه أشهب.

                                                                                                                                                                                        وهو أقيس، ولا فرق في ذلك بين الحلي والسيف؛ لأن كليهما فعل بوجه جائز، فإذا رأى أن التبع من ذلك في السيف كاللغو كان في الحلي مثله.

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف في الحلي يكون فيه ذهب وفضة ولؤلؤ وجوهر والذهب والفضة الثلث فأقل، واللؤلؤ والجوهر الثلثان فأكثر- أنه يباع بأقل ذلك كالسيف. [ ص: 2828 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يحتاط فيما يقدر من ذلك كله أنه الثلث؛ لأن كل ذلك على التقدير ليس على التحقيق.

                                                                                                                                                                                        وثياب النساء المعلمة -بالذهب كالمعتق وما أشبهه- في ذلك كالسيف، فإن كان علمه الثلث فأقل جاز بيعه بالذهب، وإن كان أكثر بيع بالفضة يدا بيد، وهذا في المعتقات العراقية؛ لأن ذهبها غير مستهلك العين.

                                                                                                                                                                                        والشأن فيما قدم منه أن تحرق أعلامه، فيخرج منها الذهب.

                                                                                                                                                                                        فأرى أن يباع شيئا من ذلك بالعراق، وأن يسأل أهل المعرفة بصنعة ذلك عما يكون في مثل ذلك من الذهب، فإن قيل: خمسة دنانير، قيل: كم قيمة ذلك الثوب على هيئته بعلمه وصناعته؟ فإن قيل: خمسة عشر دينارا، بيع بالذهب؛ لأن الزائد للثوب ولصنعة العلم، ولا ينظر إلى قدر الذهب وقيمة الثوب بغير علم؛ لأن الصنعة إن قومت على ذلك لم تدخل في القيمة وأبطل حكمها، وفي ذلك ظلم على المتبايعين، وهي في هذا الموضع كالخياطة.

                                                                                                                                                                                        وإن بيع شيء من ذلك بموضع لا يعمل فيه ولا يعلم كم قدر ما فيه، قيل: بكم يباع لو كان بغير علم، وإذا بيع وفيه ذلك العلم؟ فإن كان يزيد ذلك العلم الثلث فأقل، جاز بيعه بالذهب، وإن كان أكثره بيع بالفضة، وكل ذلك يدا بيد.

                                                                                                                                                                                        وإنما رجع في ذلك إلى ما تزيد القيمة؛ لأنها ضرورة لا يقدر على أكثر من ذلك، وإنما يباع بالفضة أحوط، لإمكان أن يكون الذي فيه من الذهب أكثر مما زادت القيمة. [ ص: 2829 ]

                                                                                                                                                                                        وأما الذي يعمل بالمغرب فهو سمنطر لا يخرج منه شيء عند الحرق، وقد يقال: هو في معنى المستهلك من هذا الوجه فيباع بما فيه نقدا وإلى أجل، ولا يعتبر قدر الذهب، ويصح أن يقال: يعتبر ذلك لأنه الآن موجود قائم العين.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الوجه اعتبار ما فيه فإنه يسأل أهل المعرفة بعمله كم يدخل فيه من مثقال ذهب مغزول، ثم يسأل الذين يعملون السمنطر كم يدخل في ذلك المثقال من الذهب؟ فإذا علم ذلك نظر إلى ذلك الذهب كم هو؟ وهل هو الثلث أو أكثر.

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن؛ لأنه لو كانت جلودا بحالها لم تغزل بعد لم يجز بيعها بالذهب نقدا، ولا بالفضة إلى أجل؛ لأن المشترى الذهب الموجود، وهو قائم العين.

                                                                                                                                                                                        وكذلك كل ما يعمل في المحاجر، فإنه يعتبر ما فيه من الذهب كما تقدم في الثياب.

                                                                                                                                                                                        وأما أزرار جيوبهن فحكمه حكم حلية السيف إذا كانت منقوضة؛ لأنه ليس في ربطه ونزعه كبير أمر، وما كان مما يعملن في المرايا والأقفال والصناديق، فحكمها حكم المنزوع؛ لأنه مما لا يجوز استعماله، وكذلك كل ما عمل مما لا يجوز استعماله، فإن حكمه حكم المنزوع. [ ص: 2830 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية