الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حكم الإقامة للصلاة]

                                                                                                                                                                                        الإقامة سنة على الرجال; كان في صلاة جماعة أو فذا، صليت في الوقت أو فائتة. ولا إقامة على النساء، قال ابن القاسم: وإن أقامت المرأة فحسن .

                                                                                                                                                                                        ومن شرط الإقامة أن تعقبها الصلاة في الفور، وإن بعد ما بينهما أعاد الإقامة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التوسعة في ذلك، ففي مسلم عن أنس قال: " أقيمت الصلاة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يناجيه رجل، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلى بهم" ، ولم يقل إنه أعاد الإقامة.

                                                                                                                                                                                        ومن ترك الإقامة عامدا أو سهوا أجزأته صلاته. وقال ابن كنانة: يعيد [ ص: 249 ] الصلاة إذا تركها عمدا . والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الأئمة تجمع الصلاتين كالظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء بالمزدلفة، والجمع ليلة المطر، وفي جمع المسافر، فقال مالك: يصليها بأذانين وإقامتين .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في المبسوط : بأذان للأولى وإقامتين.

                                                                                                                                                                                        وفي التفريع لابن الجلاب أنه يصليهما بإقامتين، بغير أذان .

                                                                                                                                                                                        وذكر بعض المخالفين عن ابن عمر أنه أقام للأولى خاصة وصلى الثانية بغير إقامة .

                                                                                                                                                                                        فأثبت مالك الأذانين; لأنه الشأن في صلاة الجماعة، وأسقط عبد الملك الأذان للثانية; لأن الأذان إعلام بدخول الوقت ليتطهروا ويكونوا على أهبة ، وليأتوا الصلاة، وهؤلاء متطهرون مجتمعون، وأسقط بالقول الثالث الأذان فيهما ; لأن الأصل أن يدعى لهما من كان غائبا وهؤلاء حضور [ ص: 250 ] مجتمعون، وأسقطت الإقامة على القول الآخر للثانية; لأن الإقامة أذان في الحقيقة، فالأول إعلام بدخول الوقت ليأخذوا في الطهارة والأهبة للصلاة، والثاني إعلام للدخول في الصلاة ليأتي من لم يأت، وكل واحد منهما متضمن للدعاء إلى الصلاة بقوله فيهما: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بين كل أذانين صلاة لمن شاء" يريد: التنفل بين الأذان والإقامة، فسمى الإقامة أذانا، فإذا سقطت الإقامة للثانية- جاز للفذ ألا يقيم. وهو قول الشعبي والأسود ومجاهد والنخعي وعكرمة وأحمد وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المبسوط فيمن أتى المسجد فوجد الناس صلوا، فقال: يقيم لنفسه أحب إلي من أن يصلي بغير إقامة. فاستحب ذلك ولم يره سنة.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن مسلمة في المبسوط أيضا: إنما الإقامة لمن يقيم لنفسه ولمن يأتي بعده، فإن دخل معه أحد كان قد أقام له.

                                                                                                                                                                                        واختلفت الأحاديث في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة، فظاهر حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - " أنه صلاهما بأذانين وإقامتين" . وفي مسلم من طريق جابر بن عبد الله " أنه بأذان واحد وإقامتين" . وفي الموطأ من حديث أسامة [ ص: 251 ] "بإقامتين" . وفي مسلم من طريق ابن عمر " بإقامة واحدة" .

                                                                                                                                                                                        وإذا اختلفت الأحاديث رجع إلى ما يعضده القياس، فيؤذن للأولى في الظهر; ليعلم بدخول الوقت ويأخذوا في أهبة الصلاة، دون الثانية; لأنهم على أهبة مجتمعون، وكذلك في الجمع في المطر. [ ص: 252 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية