الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن له على رجل دينار هل يصارفه في بعضه؟ وفيمن اقترض نصف دينار أو اشترى بنصف دينار أو بدانق، بماذا يقضى عليه؟ وفيمن أقرض فلوسا أو اشترى بها ففسدت أو انقطعت

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك وابن القاسم لمن له على رجل دينار أن يصارفه في بعضه في سدسه أو نصفه أو ما أحب؛ لأن الباقي بعد الصارفة ذهب، ولأنه لو صرف منه نصفه وأحب الغريم أن يخرج دينارا فيكونا فيه شريكين نصفين، لأجبر الآخر على قبوله، ولو باعه بعد ذلك سلعة بنصف دينار لأجبر على أن يقضيه دينارا صحيحا، ولو كان يمتنع من صرف بعضه لأجل أنه لا يحكم في الباقي إلا بفضة لمنع أن يهبه نصفه؛ لأنه يكون بمنزلة من وهب هبة على أن يصارفه بعد ذلك، فيكون على قوله هبة فاسدة.

                                                                                                                                                                                        وإن صارفه في نصفه بدراهم جاز أن يأخذ في بقيته ورقا أو عرضا، وكذلك لو ابتدأ بأخذ عرض عن نصفه، ثم أراد أن يأخذ بقيته عرضا أو ورقا- جاز.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا صارفه في نصفه أو أخذ عرضا، هل يجوز أن يأخذ في [ ص: 2867 ] بقيته ذهبا؟ فمنع ذلك مالك وابن القاسم، وقال ابن القاسم: لأنه يصير ذهبا وورقا بذهب، أو ذهبا وعرضا بذهب. يريد: أنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: وأجاز أشهب أن يأخذ بالباقي ذهبا إذا كان مثل ذهبه ومثل وزنه، لا أقل ولا أكثر.

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن؛ لأنه إذا أخذ قطعة مثل ذهبه ومثل وزنه كان قد ترك فضل السكة، وذلك معروف منه، ولا يدخله مبايعة، ويجوز أن يأخذ دون ذهبه ودون وزنه، ويمنع أن يأخذ أقل وزنا وأجود ذهبا.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أخذ أجود من ذهبه مثل وزنه، فيمنع على من جعل الاقتضاء خلاف المراطلة، ويجوز على من سوى بينهما.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: كره ابن القاسم أن يأخذ في ابتداء أخذه في أول ما يأخذ قطعة ذهب ثلثا أو نصفا. وذلك؛ لأنه إن أخذ في الباقي ورقا أو عرضا دخله على أصله ذهب بذهب وورق أو عرض، ويجوز ذلك على قول أشهب حسبما تقدم.

                                                                                                                                                                                        ومن قال لرجل: أقرضني نصف دينار والصرف عشرة دراهم بدينار، فأعطاه خمسة دراهم، لم يقض له إلا بخمسة دراهم مثل ما أعطى، ولو مضى معه إلى الصراف فصرف دينارا فأعطاه نصفه، فكذلك ليس له إلا مثل ما أخذ [ ص: 2868 ] من الدراهم.

                                                                                                                                                                                        قال مالك وابن القاسم: ولو أعطاه دينارا فصرفه المستسلف، فأخذ نصفه ورد نصفه، كان عليه نصف دينار غلا الصرف أو رخص.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن قال لرجل: أسلفني نصف دينار، فدفع إليه دينارا، فقال: اذهب فصرفه فخذ نصفه وائتني بنصفه، فقال: أخشى ألا يكون عليه إلا مثل ما أخذ من الدراهم. ولو قال له: خذ هذا الدينار، فخذ نصفه وجئني بنصفه، كان يجب له عليه عين.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: إذا أعطاه دينارا وقال له: صرفه فخذ نصفه وجئني بنصفه أن عليه نصف دينار ذهبا.

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن؛ لأنه إنما قال له «خذ نصفه وجئني بنصفه» إنما يأخذه ليصرفه ويأتيه بنصفه دراهم، فلا فرق بين قوله: «خذه وجئني بنصفه» وبين قوله: «صرفه وجئني بنصفه»، وينبغي أن يكون عليه نصف دينار ذهبا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية