الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في سلم الثياب]

                                                                                                                                                                                        فأما سلم الثياب بعضها في بعض فإن اختلفت، وكان الفضل من أحد الجنبتين جودة أو كثرة، لم يجز ذلك، وهو سلف بزيادة إذا كان المتأخر أفضل، أو ضمان بجعل إن تقدم.

                                                                                                                                                                                        فإن كان لكل واحد منهما فضل على الآخر، أحدهما أجود، والآخر أطول أو أعرض جاز ذلك، وهذه مبايعة، وهذا إذا كان السلم واحدا في واحد، وإن اختلف العدد، جاز أن يسلم واحدا جيدا في اثنين، فأكثر دونه.

                                                                                                                                                                                        ولا بأس أن يسلم نصفا جيدا في كامل رديء، وكاملا رديئا في نصف [ ص: 2930 ] جيد، فيكون قد ترك فضل الجيد، لمكان كمال الرديء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اختلفت أصول الثياب واستوت المنفعة، كرقيق الكتان، ورقيق القطن، فأجازه ابن القاسم ورآهما صنفين، ومنعه أشهب.

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم في السلم الثالث الفرقبي، وهو من رقيق الكتان في الهروي، والمروي وهو من رقيق القطن.

                                                                                                                                                                                        ومنعه أشهب في مدونته، ورآهما صنفا واحدا، وهو أحسن.

                                                                                                                                                                                        والمراعى المنفعة ليس الأصول، فكما يجوز أن يسلم ما أصله واحد إذا اختلفت منفعته، فيسلم بعضه في بعض، فكذلك يمنع ما اختلف أصله إذا استوت المنفعة، كخل العنب بخل التمر، وأما ثياب الكتان والصوف والحرير، فيسلم بعضها في بعض; لأن منافعها مختلفة. ولا بأس أن يسلم ما استوت جودته بعضه في بعض، لاختلاف منافعها، كالعمائم والأردية تسلم فيما يراد للقطع، ويعمل منه أقمصة، وما أشبه ذلك فهذه منافعها مختلفة، فلم يراع استواؤها في الجودة.

                                                                                                                                                                                        وإن أسلم ثوبا فسطاطيا في فسطاطي إلى أجل، ومروي نقدا أو إلى أجل، لم يجز، وهو سلف بزيادة، وإن تعجل الفسطاطي وتأخر المروي جاز. واختلف إذا أسلم فسطاطيا في فسطاطيين مثله، أحدهما نقدا والآخر إلى أجل، فأجازه ابن القاسم ومنعه سحنون. [ ص: 2931 ]

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: ولقد اضطر المخزومي طرد القياس فيه لأشهب حتى قال: لو كان فيها دينار بدينارين أحدهما معجل لصاحبه والآخر إلى أجل لجاز.

                                                                                                                                                                                        يريد: أن القصد بذلك المعروف، وهو بمنزلة الدينار بأوزن منه، ويجوز على قوله أن يكون الأوزن نقدا، والآخر إلى أجل، وجوازه في الثياب أحسن، وإنما يمنع من ذلك ما كان القصد فيه إلى ما يؤدي إلى الفساد.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفوا في الجودة، وكان المنفرد مثل المعجل من الثوبين أو أدنى، جاز، وإن كان المنفرد أجود من المعجل ومثل المؤجل أو دونه، لم يجز، وهو سلف بزيادة، والزيادة المعجل مع فضل المؤخر إن كان المؤخر أجود، وإن كان المنفرد أجود من الاثنين وأوزن وهو حينئذ مبايعة; لأنه لا بأس أن يسلم نصفا جيدا في كامل رديء.

                                                                                                                                                                                        وأجاز في مختصر الوقار أن يسلم ثوبا في مثله إلى أجل، ورأى أنه لما لم يكن هناك زيادة من أحدهما لم يدخله فساد، ووافق في أنه لا يجوز أن يسلم واحدا في اثنين مثله. [ ص: 2932 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية