الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في أجل السلم

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في السلم في الطعام والثياب والحيوان إلى يوم أو يومين: لا خير فيه إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولم يحد لنا فيه حدا، وإني لأرى الخمسة عشر والعشرين يوما.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: السلم على الحلول أو إلى يوم أو يومين أو شبه ذلك على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        يجوز في وجهين، واختلف في الثالث.

                                                                                                                                                                                        فالأول: السلم لمن شأنه بيع ذلك الصنف المسلم فيه، كالسلم في اللحم للحام، وفي الفاكهة للفكاه، وفي الرطب للرطاب، وفي الثياب للحائك الذي يعمل مثل تلك الثياب، فجميع ذلك جائز على الحلول أو إلى أجل قريب يوما أو يومين.

                                                                                                                                                                                        والثاني: السلم ليقبض ذلك خارجا عن البلد الذي أسلم فيه، فذلك جائز، وإن قرب ما بين الموضعين، وكأن الأميال اليسيرة على الحلول أو الأيام اليسيرة.

                                                                                                                                                                                        والثالث: السلم لمن ليس شأنه بيع ذلك الشيء ليقبضه في البلد المسلم فيه، فاختلف فيه: [ ص: 2938 ]

                                                                                                                                                                                        فقال مالك في المدونة: لا خير فيه.

                                                                                                                                                                                        وأجازه في كتاب محمد في الثياب والطعام والحيوان إلى يومين، وروى عنه ابن عبد الحكم أنه أجازه إلى يوم بعد أن كان كرهه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب في مختصر ما ليس في المختصر: السلم إلى يومين وإلى ثلاثة في الثياب والدواب أحب إلي من بعيد الأجل.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: إن وقع ذلك لم يفسخ، للاختلاف فيه.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: والقياس فسخه، ولم أصرح فيه بالفسخ للاختلاف في ذلك ورآه فاسدا.

                                                                                                                                                                                        واختلف في تعليل البيع: فقال أشهب في كتاب محمد: لا يصلح; لأنه غرر، كأنه أخذ منه الثمن ليشتري له به، فإن كان فيه فضل كان له، وإن كان نقصان كان عليه، يريد أنهما يتهمان أن يكونا عملا على ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقيل: المنع; لأنه من باب بيع ما ليس عنده، فأجيز ما بعد أجله، لما ورد في ذلك من الأحاديث والعمل وبقي ما قرب أجله أو كان حالا على المنع لأنه بيع ما ليس عنده. [ ص: 2939 ]

                                                                                                                                                                                        وقيل في الجواز: إنه سلم قرب أجله فجاز، لعموم الحديث لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أسلم في شيء، فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" فلم يفرق بين قرب الأجل وبعده.

                                                                                                                                                                                        وقيل: هو بيع نقد. ومحمل الحديث في بيع ما ليس عند البائع على المعين من ملك غيره، وهذا هو الصواب; لأنهم لم يختلفوا في اللحام والفكاه أنه يجوز على الحلول، وهذا يرد على من منع ذلك من غيرهم; لأنه لا فرق بين الموضعين، ومحمل الحديث في النهي على ما كان معينا من ملك غيره أولى ليجمع بين الحديثين.

                                                                                                                                                                                        وأيضا فإنه القياس في المعين لو لم يرد حديث; لأنه غرر ينقد في شيء لا يدري هل يباع منه أو لا؟ وهو تارة سلف وتارة بيع.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم ينقد وقال: إن صار في ملكي فهو لك بكذا وكذا، وأن يجوز أحسن; لأنه لا غرر فيه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية