الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن ابتاع طعاما على كيل، أو جزافا ثم هلك بيد بائعه

                                                                                                                                                                                        ومن اشترى طعاما بعينه، ثم هلك قبل قبضه، فإنه لا يخلو هلاكه من أربع: إما أن يكون من سبب البائع، أو أجنبي، أو لا سبب فيه لآدمي، أو من المشتري، فإن كان من سبب البائع، باعه، أو أكله، أو وهبه- كان عليه أن يأتي بمثله إن علم كيله، وإن لم يعلم تحرى قدر ما فيه فيغرمه، وليس للمشتري إن كان باعه أن يجيز البيع ويأخذ الثمن، ولا إن كان أكله أو وهبه أن يأخذ القيمة، ويدخله إن فعل بيع الطعام قبل قبضه، ولا أن يفسخ البيع عن نفسه.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وهو بمنزلة من استهلك طعاما، فإنما عليه مثله .

                                                                                                                                                                                        وإن أهلكه أجنبي أغرم القيمة، واشترى بها طعاما، ويكيله البائع للمشتري، وإن لم يشتر بالقيمة حتى حال سوقه، لم يكن على البائع سوى ما اشترى بالقيمة، وينفسخ البيع في العاجز عن قدر الأول; لأنه بمنزلة ما ذهب بأمر من السماء، وإن حال برخص لم يشتر بالفاضل، وكان للبائع; لأنه في ضمانه فله رخصه.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الذي أهلكه معسرا لم يكن على البائع شيء، وكان للمشتري أن يفسخ البيع، ولم يلزمه الصبر حتى يوسر المعتدي، فإن رضي بالصبر جاز ولا مقال للبائع; لأنه لا مضرة عليه في ذلك، وإن رضي البائع أن يغرم مكيلته مثل ما كان يشتري بالقيمة، لزم المشتري. [ ص: 3087 ]

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إذا غرم الأجنبي القيمة للبائع ينفسخ البيع، وليس للمشتري إلا ثمنه، إلا أن يقر المتعدي بعدد كيل، فيكون رب الصبرة بالخيار، إن شاء أغرمه كيل ما أقر به بعد أن يستحلفه، وإن شاء أغرمه القيمة ولا يصدقه، فيكون المشتري حينئذ بالخيار، إن شاء أخذ المكيلة التي أقر بها المتعدي، وإن شاء أخذ القيمة، فاشترى له بها طعاما فأكله ، وإن شاء فسخ البيع عن نفسه .

                                                                                                                                                                                        قال محمد: اختلف قول أشهب إذا أخذت القيمة فقال مرة: يشتري بها طعاما فيوفاه المشتري، ومرة قال: لا، إلا أن يعرف الكيل . فجعل في القول الأول الفسخ من حق البائع إذا غرم المتعدي القيمة، وكذلك قال فيمن اشترى طعاما فاطلع فيه على عيب بعد أن فات، قال: المشتري بالخيار بين أن يغرم المثل، أو يرجع بالعيب .

                                                                                                                                                                                        ورأى أن عليه في تغريم المثل وشرائه مشقة، وكذلك البائع ها هنا له الفسخ، ولا يتكلف الشراء.

                                                                                                                                                                                        ورأى في القول الآخر أن يشتري بالقيمة وأن هذا أخف من المشتري يجد عيبا بحضور ما يشترى به، ولأنه لا يغرم ذلك من ذمته، ثم اختلف قوله [ ص: 3088 ] إذا سقط قول البائع، وغرم المستهلك المكيلة: هل يكون للمشتري خيار; لأنه يقول: اشتريت طعاما بعينه، فلا ألزم غيره. وإن هلك بأمر من الله، فسخ البيع على قوليهما جميعا إذا ثبت ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قبل البائع: فقال ابن القاسم في العتبية: لا يصدق، وعليه أن يوفي الكيل الذي باع . وعلى قوله في كتاب السلم الأول يحلف أنه هلك ولم يكتمه، وينفسخ البيع.

                                                                                                                                                                                        وإن أهلكه المشتري وعرف كيله، كان ذلك قبضا، وعليه أن يغرم الثمن، وإن لم يعرف كيله، فالقدر الذي يقال: إنه كان فيه ، فإن قيل: قفيز، غرم ثمنه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية