الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في بيع اللبن والبيض بعضه ببعض

                                                                                                                                                                                        اللبن عند مالك في حكم ما يدخر; لأنه يعمل منه ما يدخر: السمن والجبن وما أشبه ذلك، واللبن وما يؤول عنه على وجوه: حليب، ومخيض، ومضروب، وزبد، وسمن، وجبن، وأقط، فبيع الحليب بالحليب، والزبد بالزبد، والسمن بالسمن، والجبن بالجبن، والأقط بالأقط متفاضلا ممنوع قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلا: فأجازه مالك في المدونة ، وحكى عنه أبو الفرج المنع، قال: لما بينهما من الزبد المجهول. فمنعه من وجه الغرر، لا من وجه المماثلة; لأن المماثلة موجودة.

                                                                                                                                                                                        وهذا يصح إذا كانوا يريدونه ليستخرج زبده، وإن كانوا لا يريدونه لذلك جاز.

                                                                                                                                                                                        والأول أصوب، ولو منع ذلك لاختلاف ما يراد منهما لما جاز بيع قمح بقمح، لاختلاف ريعهما، ويجوز بيع الزبد بالزبد والسمن بالسمن متماثلا، وكذلك الجبن بالجبن إلا أن يكون اليابس بالطري.

                                                                                                                                                                                        ولا يجوز الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط، ولا يجوز بيع شيء من هذه بالآخر; لأن الادخار موجود والتفاضل ممنوع، والمماثلة معدومة لا يقدر عليها. [ ص: 3116 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف في بيع المخيض بالمخيض، والمضروب بالمضروب متفاضلا; لأنهما لا يدخران، فمن منع التفاضل فيهما منع أن يباع شيء منهما بحليب أو زبد أو سمن أو غيره مما تقدم ذكره; لأنه كالرطب باليابس.

                                                                                                                                                                                        ومن أجاز التفاضل أجاز بيع أحدهما بأي ذلك أحب من الحليب وغيره، وقال مالك في المدونة: لا بأس بالسمن باللبن الذي قد أخرج زبده .

                                                                                                                                                                                        وهذا لا يصح إلا على القول أن التفاضل بينهما جائز; لأنه كالرطب باليابس.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجوز التفاضل في المخيض بالمضروب; لأنه مما لا يدخر، ومن منع ذلك حمله على الأصل، وقد تقدم الاختلاف في التين والعنب الشتوي، هل يمنع التفاضل بينهما ويحمل على الغالب من جنسه، أو يجوز; لأنه لا يدخر في نفسه ويفسد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية