الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الشفعة فيما بيع على النقض والقلع

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم في من باع نقض داره ثم استحق رجل الأرض دون النقض كان للمستحق أن يأخذ من المشتري ذلك النقض بقيمته مطروحا، وليس للمشتري أن يمتنع من ذلك، قال : وليس هذا لأنه شفيع، ولكن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : جعل له أخذا لتغليب أحد الضررين لعظم ما ينتفع به من بقائه قائما، وقلة ضرر ما يلحق المشتري; لأنه يشتري بالقيمة مثله، ومحمل قوله على أن المشتري لم يقم على البائع بعيب الاستحقاق; لأنه اشترى ما يرى أن له قبضه، فإذا كان هناك تعلق به لحق آخر وصار غير قادر على قبضه، وغير متمكن من الانتفاع، ومجبورا على تسليمه- كان ذلك عيبا يوجب له الرد ويعود المقال بين البائع والمستحق، فإن كان البائع غاصبا أخذه منه بقيمته مقلوعا، وإن كانت له في البناء شبهة أخذه منه بقيمته قائما، قال سحنون هذا قول ليس [ ص: 3379 ] بالبين، وإن أثبت المستحق أن له نصف الأرض ونصف البناء ورد البيع في نصيبه لم يكن له مقال في النقض المبيع من نصيب شريكه أن يأخذه بالشفعة ولا بقيمته منقوضا; لأنه بعد الاستشفاع غير قادر على بقائه في الأرض; لأن من حق بائع الأرض أو النقض أن يجبر مشتريه منه على قلعه، وإذا كان ذلك كان بمنزلة شريكين في نقض ملقى فلا شفعة فيه، وليس كالمسألة الأولى; لأن ذلك يقدر على نقضه في الأرض وليس ذلك لهذا، وعلى هذا يجري الجواب في النخل إذا بيعت على القلع، فإن استحق جميع الأرض كان للمستحق أن يأخذ النخل بقيمتها مطروحة، وإن استحق نصف جميع الحائط لم يكن له أن يأخذ الباقي من النخل; لأنه لا يستطيع بقاءه في الأرض، وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك في أول الكتاب، وإن باع أحد الشريكين في الحائط نصف النخل على القلع، فإن كان البائع لم يعلم المشتري أن معه شريكا أو أعلمه وادعى أنه أجاز له مقاسمة النخل، أو كانا دخلا على الافتيات على الشريك، وأنه يقسم دون الشريك كان البيع جائزا; لأنهما دخلا على شيء معلوم، ولم يدخلا على غرر، فإذا لم يجز الشريك ذلك قسم الحائط في الأرض والنخل جميعا، ثم ينظر إلى ما يصير إلى البائع، فإن صار له نصف النخل أخذه المشتري، وإن صار له أكثر من ذلك كان ذلك الزائد للبائع، وإن صار أقل من النصف حط عن المشتري بقدر ذلك النقص ، وإن كان البائع أعلم المشتري بالشرك وباع ما يصير له بالمقاسمة إذا قسمت الأرض والنخل معا- كان البيع فاسدا; لأنه يدري ما [ ص: 3380 ] يصير له، قليلا أو كثيرا جيدا أو دنيا ، قال محمد: إلا أن تكون متساوية يشبه بعضها بعضا، وفي موضعها ومما يصح أن يقسم بالقيس ، فيجوز البيع.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : اتفاق مثل هذا لا يوجد، وإن باع الشريك جميع الحائط صفقتين: النخل ثم الأرض، أو الأرض ثم النخل، أو كانا شريكين في دار فباعا جميعها صفقتين النقض ثم الأرض، أو الأرض ثم النقض، فرد الشريك البيع في نصيبه- كان له أن يستشفع بنصيب شريكه من الأرض بالثمن قولا واحدا تقدم بيع الأرض أو تأخر.

                                                                                                                                                                                        واختلف في استشفاع النخل والنقض على ثلاثة أقوال، فأوجب ذلك له ابن القاسم تقدم بيعها أو تأخر، وأن يأخذه بالثمن ، وأسقط ذلك أشهب في كتاب محمد تقدم بيعها أيضا أو تأخر ، وقال محمد: إن تقدم البيع كانت له الشفعة، وإن تأخر فلا شفعة له، قال كالعين إن تقدم بيعها استشفعت، وإن تقدم بيع الأرض لم يستشفع .

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بثبوت الشفعة بماذا يستشفع، فقال ابن القاسم مرة: بالثمن، وقال مرة: بالقيمة، فقال: ها هنا بالثمن ، ورأى أن القصد أن يلحق [ ص: 3381 ] العقد الثاني بالأول، فصار كالعقد الواحد، وقال بعد ذلك في الدار تباع، والنقض صفقتين يستشفع بالقيمة قائما كأنه أحدثه وبدأه ، قال سحنون في هذه المسألة: قلت: فلم لا تجعلها كالعقد الواحد، وهذا هو الصحيح، وقد اختلف عن مالك في مثل هذا إذا اشترى الرقاب ثم الثمار والرأس ثم الخلفة هل يكونان كالعقد الواحد أو يكونان على عقدهما عقدين فيكون في الثمار الجائحة، ويمنع استلحاق الخلفة، وإلى هذا ذهب أشهب أنهما عقدان ، وهذا هو الصحيح; لأن العقد انبرم ولم يكن مفتقرا إلى ما يلحق به وإن تقدم بيع النخل فإلى المشتري . [ ص: 3382 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية