الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صفة الانتفاع بالحبس

                                                                                                                                                                                        الحبس على ضربين: حبس المراد منه غلاته كالثمار وعبيد الإجارة والحوانيت وما أشبهه ذلك، فإنه يساقي الثمار أو يؤاجر عليها، فما اجتمع من ذلك قسم في الوجه الذي حبس له، والثاني: الديار توقف للسكنى وعبيد الخدمة والخيل فهذه ينتفع بأعيانها، تسكن هذه ويستخدم الآخر وتركب الخيل، فإن لم يكن في ذلك متسع لجميعهم وكان الحبس على معينين كقوله هؤلاء العشرة أو هؤلاء النفر كان لجميعهم، والغني والفقير والآباء والأبناء سواء، فإن لم يكن في الدار محمل لجميعهم اكتريت وقسموا غلتها أو اقترعوا على أيهم يسكن ويدفع إلى الآخر نصيبه من الكراء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان على عقب، فقال مالك وابن القاسم يؤثر الفقراء على الأغنياء والآباء على الأبناء، وسواء قال على ولدي أو ولد ولدي ، وقال عبد الملك في كتاب محمد: لا يؤثر الفقير إلا بشرط من المحبس; لأنه تصدق على ولده وهو يعلم أن منهم الفقير والمحتاج، وقال مالك: إن اختلفت منزلتهم يؤثر الآباء، وسواء قال ولدي أو ولد ولدي.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد: هم سواء إلا أنه يفضل ذو العيال بقدر عياله، ولا يكون الآباء أولى من الأبناء، والذكر والأنثى سواء. وقال أشهب: إن قال ولدي وولد ولدي لم يقدم أحدهم على الآخر، وإن قال ولدي ودخل ولد [ ص: 3440 ] الولد بالتأويل بدئ بالأعيان إذا استوت الحاجة .

                                                                                                                                                                                        والقول بالمساواة أحسن، نص على ولد الولد أو أدخل بالمعنى إلا أن تكون العادة تبدية الآباء، وإذا سكن جميعهم ثم استغنى الفقير أو مات بعض العيال أو كثر عيال آخر أو كبر الصغار، فصار رجلا يحتاج إلى مسكن أو غاب أحدهم افترق الجواب، فقال مالك في كتاب محمد: إذا استغنى أحدهم لم يخرج.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في العتبية: ينتزع ويرجع إلى عصبة المحبس. قيل له: فإن كان للمحبس ابنة قال: ليس النساء عصبة إنما يرجع إلى الرجل، فإن افتقر بعض للحبس عليهم انتزع ورد إليهم . وهذا صواب إذا كان الحكم أنه للفقراء إلا أن تكون العادة متى سكن أحدهم لم يخرج وإن استغنى.

                                                                                                                                                                                        وإن مات بعض العيال ففضل مسكن انتزع، وإن كثر عيال أحدهم أو بلغ أحد الولد وتأهل لم يخرج له أحد ولم يستأنف القسم، وإنما تساوى حق الآباء والأبناء في مبتدإ القسم، وإن كان أحدهم في مبتدإ السكنى غائبا قريب الغيبة وقف نصيبه وأكري له، وإن كان بعيدا لم يكن له شيء ولم يستأنف القسم إن قدم، وإن غاب أحدهم بعد القسم على وجه السفر ليعود كان على حقه في مسكنه، ويكريه إن أحب، وإن كانت الغيبة المنقطعة أو خرج على وجه الانتقال سقط حقه إلا أن يكون ذلك المسكن فاضلا عن جميعهم فيكون على حكم الغلة يقسم كراؤها وله نصيبه من كرائه.

                                                                                                                                                                                        وأما الثمار وغلة الحوانيت والحمامات وما أشبه ذلك فحق الحاضر، ومن [ ص: 3441 ] أحدث سفرا قريبا أو بعيدا أو انتقل سواء، وإن كان في حين الحبس قد انتقل إلى موضع بعيد لم يبعث إليه شيء، وليس العادة ولا القصد من المحبس إدخاله في الحبس إلا أن يقدم فيستأنف له القسم.

                                                                                                                                                                                        وإن كان الحبس عبدا يراد للإجارة جرى الحكم في إجارته على ما تقدم من الثمار وغيرها، وإن كان من عبيد الخدمة كان على حكم الدار تراد للسكنى إلا أن العبد يفارق الدار إذا ضاقت عن جميعهم، فإن كثر من حبس عليهم العبد وسع في الأيام فإن كانوا ثلاثين كان لكل واحد خدمة يوم من ثلاثين يوما. [ ص: 3442 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية