الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أوصى أن تشترى رقبة لتعتق تطوعا أو عن واجب

                                                                                                                                                                                        وإذا قال : اشتروا رقبة فأعتقوها . لم تكن حرة بنفس الشراء حتى تعتق ، فإن قال : فإذا اشتريتموها فهي حرة ، كانت حرة بنفس الشراء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال : أعتقوها . فهلكت بعد الشراء وقبل العتق ، فقال في المدونة : تشترى أخرى إلى مبلغ الثلث . وبه قال أصبغ . وقال ابن القاسم في كتاب محمد : تشترى من ثلث ما بقي كأنه لم يكن مال ، إلا ما بقي . وقال ابن حبيب : القياس ألا يرجع في بقية الثلث شيء ، واستحسن أن يشتروا من بقية الثلث ، وقال ابن المواز : إن عزل ثلثه للوصية ، وقسم الورثة الثلثين ، كان عليهم بقية الثلث الأول ، ولا وجه لهذا; لأن الميت لم يوص بجزء ، فيكون عليهم أن يقسموه ، وإنما وصى بشراء رقبة لا غير ذلك . وقول ابن حبيب في هذا أحسن .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد : فيمن أوصى أن يحج عنه ، فدفع مال لمن يحج عنه على البلاغ ، فسرقت النفقة في بعض الطريق ، قال : يحجوه ، أو غيره مما بقي من ثلث الميت ، بمنزلة من أوصى أن يعتق رقبة ، فماتت قبل العتق ، فعليهم ذلك ما بقي من الثلث الأول شيء . [ ص: 3543 ]

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : إلا أن يعترفوا أنهم قصدوا بالشراء جملة المال ، وليخرج بالقيمة ، فيؤخذوا باعترافهم ويخرجوا ثلث الباقي .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أوصى أن تشترى رقبة لتعتق تطوعا ، أو عن الظهار فيما تشترى به ، فقال ابن القاسم في المدونة : ينظر إلى قلة المال وكثرته ، فيجتهد في ذلك ، وليس من ترك مائة دينار بمنزلة من ترك ألفا . وقال في كتاب محمد : وبذلك يحاص أهل الوصايا ، وقال أشهب : يشترى وسطا من الرقاب ، ولا ينظر إلى قدر المال وبه يحاص . والقياس أن يحاص بأدنى القيم فيما يجزئ عن الظهار والقتل . قال : والأول أحب إلى الوسط كما قيل فيمن تزوج على خادم .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ : الوسط حسن مع عدم الوصايا ، فأما إذا كانت الوصايا وضاق الثلث ، رجع إلى أدنى الرقاب وإلى حكم المال القليل; لأن المعلوم من الميت أنه يقصد إنفاذ وصاياه جملة ، فإذا علم أن المال لا يبلغ إلى الأعلى ولا إلى الوسط ، رجع إلى الأدنى ما خلا الرضيع والمعيب; لأنهما لا يقصدهما الميت ، ثم ينظر إلى ما يصير في المحاصة ، فإن كان يوجد به رضيع وكان عن واجب اشترى; لأنه تبرأ ذمته ، أو معيبا إن كان تطوعا . وإن لم يبلغ ذلك العتق عن ظهار أطعم عنه إن وفى بالإطعام أو ما بلغ منه . وإن كان فوق الإطعام ودون العتق أطعموا وكان الفضل لهم ، وهذا القياس . والاستحسان أن يتصدق به . [ ص: 3544 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كان العتق عن قتل أشرك بما ينوب العتق في رقبة وإن كان تطوعا ، فكذلك يشرك بينه وبين آخر . قال مالك : أو يعان به مكاتب .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية