الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن أوصى بخدمة عبد وبمرجعه إلى عتق ، أو إلى فلان أو أوصى مع ذلك بدنانير أو بالثلث

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن أوصى بخدمة عبده لرجل سنة ثم هو حر فلم يحمله الثلث ولا أجازت الورثة : عتق منه ما حمل الثلث بتلا ، وسقطت الخدمة . وقال أيضا : ينظر إلى ما حمل الثلث منه فيخدم فلانا سنة ثم يعتق ذلك الجزء بعد انقضائها .

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف أنه إذا جعل المرجع بعد الخدمة إلى فلان فضاق الثلث أنه لا يبدى أحدهما على الآخر ، وإنما يقطع لهما من ذلك العبد بما حمل الثلث ، ثم يختدم الموصى له بالخدمة ذلك الجزء ، فإذا انقضت عاد إلى من جعل له المرجع ولم يجعل صاحب الخدمة بمنزلة من جعل له التبدية من الثلث فيقطع له بجميع الثلث إذا لم يحمل الوصايا ، وإنما قصد الميت قسمة ذلك بينهما فجعل لهذا خدمة ولهذا مرجعا ، ولهذا قال مالك مرة : إنه إذا جعل المرجع إلى عتق لا يبدأ العتق; لأن الميت ساوى بين الوصيتين ولم يبد إحداهما على الأخرى .

                                                                                                                                                                                        وإن قال : يخدم عبدي فلانا سنة ولم يحمله الثلث ولم يجز الورثة ، قطع للموصى له بالثلث شائعا ، وإن قال : له خدمته حياة العبد قطع له في عين [ ص: 3623 ] العبد بخلاف الأول; لأن هذا أخرج العبد جملة عن الورثة فأشبه إذا أوصى برقبته ، والأول فيه معاوضة; لأنه أخذ من خدمة العبد فوق نصيبه على أن أعطاهم ماله فيه من المرجع ، وكذلك إن قال : يخدم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان فيه معاوضة من الميت ، فإن لم يجيزوا قطعوا له بالثلث . وإن قال : يخدم فلانا سنة ثم ورثتي سنة ثم مرجعه لفلان فلم يحمله الثلث ، قطع للموصى لهما بالثلث شائعا هذا بقيمة خدمته سنة والآخر بقيمة المرجع بعد سنتين ، وإن أوصى بخدمة عبد وبعتق آخر وضاق الثلث ، بدي بالعتق ، وإن أوصى برقبة الآخر لفلان تحاصا هذا بقيمة الخدمة على غررها والآخر بقيمة الرقبة ، فما ناب المخدم أخذه شائعا ، وما ناب الآخر قطع له به في العبد ، وإن قال : يخدم عبدي فلانا عشر سنين ثم هو لفلان ، وقال في آخر : هو لفلان ، تحاصا فيضرب الموصى لهما بالخدمة والمرجع بقيمة ذلك العبد بتلا; لأن الميت أخرج جميعه لهما ويضرب الآخر بقيمة العبد ، فما ناب المخدم خدم الموصى له بالخدمة ما حمل الثلث منه ، ثم كان مرجع ذلك القدر لمن جعل له ، وما ناب الآخر أخذه في عين ذلك العبد أيضا ، وإن قال : يخدم عبدي فلانا عشر سنين ثم هو حر ولفلان مائة دينار ، فكان الثلث : العبد وخمسين دينارا ، أخذه الموصى له بالمائة وهي نصف وصيته وأخذ الآخر نصف الخدمة ، ثم تحاصا في باقي الخدمة هذا بخمسين دينارا وهذا بقيمة نصف الخدمة ، فإن [ ص: 3624 ] كانت قيمتها خمسين كانت الخدمة بينهما نصفين ، وإن كان العبد كفاف الثلث تحاصا في خدمته ، هذا بقيمة الخدمة وهذا بمائة دينار ، فإن كانت قيمة الخدمة مائة اقتسماها نصفين ، فإن مات العبد بعد خمس سنين كان فيه قولان : فقيل : ذلك حكم مضى ولا رجوع لأحدهما على الآخر ، وقيل : ينقض الأول ويرجعان إلى ما كشف الغيب وقد كان الحكم المحاصة بالخدمة خمس سنين فيحاص الآن بقيمة الخدمة على ألا غرر فيها ، والآخر بالمائة فيغرم المخدم الفاضل عنده ، وإن خلف العبد مائة دينار أخذها الموصى له بالعين ، ورجع المخدم على صاحبه بقيمة ما أخذ من الخدمة ، وإن خلف العبد خمسين دينارا أخذها الموصى له بالعين وهو نصف وصيته ، ويكون للمخدم نصف الخدمة وهي سنتان ونصف وقد صارت إليه ، ثم يرجع على صاحبه في سنتين ونصف يتحاصان فيها ، والقول الأول أحسن لأنه حكم قد مضى وقد كانت القيمة في الخدمة تلك العشر سنين على غررها ، وإنما قومت ما تساوى مع إمكان أن يموت [ ص: 3625 ] العبد قبل ، فلا يكون لمشتر تلك المنافع سوى ما قبض ، وإذا كانت القيمة على هذه الصفة فلم يكشف الغيب أكثر مما كانا دخلا عليه ، ويتحاص على غير هذا القول مما ترك العبد على ما كان يتحاصان في الخدمة قبل موته ، وإن لم يحمل الثلث إلا نصف العبد ، ولم يجز الورثة أعتق نصف العبد بتلا ، وسقطت الخدمة والوصية بالمال ، فإن قال الورثة : نحن نجيز عتق جميعه إلى الأجل ، وسلم أهل الوصايا نصف الخدمة ، كان ذلك لهم ، ولم يكن للموصى لهما في ذلك مقال; لأن الورثة لم ينتفعوا من ثلث الميت بشيء ، ولو قال الورثة : نجيز لأهل الوصايا جميع الخدمة ثم يعتق نصف العبد إلى الأجل لم يكن ذلك لهم .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية