الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب [فيمن أوصى بدينار من غلة داره ، أو بأوسق من غلة بستانه ، أو أوصى بغلته للمساكين]

                                                                                                                                                                                        وإذا أوصى الرجل بدينار من غلة داره كل سنة ، فغلت سنة عشرة دنانير ، أخذ منها الموصى له دينارا ، وكانت التسعة الفاضلة للورثة من الآن ، فإن بارت الدار بعد ذلك أو انهدمت ، لم يكن للموصى له من تلك التسعة شيء . وإن قال : لك دينار كل سنة من غلتها ، أو لك من غلتها دينار كل سنة ، فبارت الدار أو انهدمت ، أخذ كل سنة دينارا من التسعة الباقية حتى تنجز ، ولو بارت من أول ثم بعد سنين أغلت قضى له مني هذه الغلة عن ماضي السنين ، إلا أن يكون ما غلت بعد موت الموصى له ، فلا يقضي منها عن الفارط في حياته ، وإذا أغلت أول سنة عشرة دنانير فأخذ دينارا ، [ ص: 3662 ] وبقيت تسعة ، نظر في ذلك ، فإن كانت الدار مأمونة; لأنها لا تبور ، وإن بارت تأتي كل سنة بأكثر من دينار ، أخذ الورثة من التسعة . وإن كان يخشى ألا تأتي بذلك ، وقف منه ما يخاف ألا تأتي به ، إلا أن يكون الوارث مأمونا غير ملد ، ولا ممتنع ، ورضي أن يأخذها في ذمته فيكون أحق بها; لأن له فيها شبهة الملك ، والوقف غير مقيد للموصى له ، وإن أكراها الميت منه بالنقد ، لم يكن للموصى له من ذلك الكراء شيء ، وكان حقه فيما تكرى به بعد وإن أكراها بغير النقد ، كانت الوصية فيما يقبض من ذلك الكراء ، وإن أكراها الورثة سنة بالنقد أخذ الموصى له منه دينارا ، وإن أكروها سنة بدينار كل شهر ، كان للموصى له من كل دينار نصف سدسه ، ويسلم الباقي للورثة ، إن كانوا مأمونين ، وإن كانوا غير مأمونين أخذ الموصى له جميع الدينار المتقدم ; لأن وقف بقيته ضرر على جميعهم من غير منفعة ، [ ص: 3663 ] وإن اختلفا هل تكرى بالنقد ، أو مؤجلا إلى آخر السنة ، حملا على العادة في تلك الديار ، فإن عدمت العادة ، أكريت مشاهرة; لأن كراء جميع السنة بالنقد فيه على الورثة بخس ، وهو بمنزلة من أسلم في سلعة لتقبض إلى أجل ، وإن أكريت سنة كل شهر بدينار ، ثم انهدمت بعد مضي شهر ، كان له ذلك الدينار إذا قال يعطى من الغلة كل سنة دينارا ، وإن قال : يعطى من غلة كل سنة دينارا ، كان له منه نصف سدسه هذا على مراعاة الألفاظ ، إلا أن يكون قصده مما حصل من الغلة كل سنة ، وكذلك إن مات الموصى له بعد شهر ، كان له نصف سدس دينار ، وإن كانت الوصية بأوسق من غلة جنانه فقال لهم : أعطوه خمسة أوسق من غلة كل سنة ، فغل خمسين وسقا ، أخذ الموصى له خمسة أوسق ، وكان الباقي للورثة ، فإن بارت بعد ذلك لم يرجع عليهم ، وإن قال : له خمسة أوسق كل سنة من الغلة ، وقف الباقي خوف أن يحبس الحائط فيما بعد فيقضى ذلك من الموقوف ، أو قدر ما يرى أنه يحتاج إليه . فإن جاءت الثمرة لقابل أخذ الموصى له الخمسة من الجديد; لأنه إنما [ ص: 3664 ] وقف خيفة ألا يجد ، ولو كان مأمونا ، لم يوقف ، وإن مات الموصي ، وفي الحائط ثمر مزهية ، لم يكن للموصى له منها شيء ، وإن أزهت بعد موت الموصي أخذ منها الموصى له وصيته .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الموصى له بدينار من غلة عبده كل شهر ، أو من غلة حائطه يريد حياته : فإن ضمن له الورثة ذلك ، وإلا وقف العبد والحائط لذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال فيمن أوصى لمواليات بآصع من ثمره ، فقال الورثة : نحن نضمن لك مكيلة مالك ، فليس ذلك عليها ، إلا أن يرضى ففرق بين الوصية بعين والوصية بالثمار ; لأن الوصية بالثمار كالسلعة المعينة ، فليس لهم أن يشتروها بغير رضى الموصى له ، والدينار لا تختلف فيه الأغراض ، ولو علم أن قصد الميت بذلك الإمساك على الموصى له لئلا يتلف ذلك إن أخذه جملة ، لم يجز رضاه ، وكان على الورثة أن يغرموا له وصيته كل سنة .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن انهدمت الدار في حياة الموصي ، وهي تخرج من الثلث ، [ ص: 3665 ] كان ما بين القيمتين ميراثا ، وتكون الوصية على حالها في القاعة ، فإن هدمها بعد الموت ، غرم ذلك الهادم ، وبنيت له تلك الدار ، وتكون الوصية فيها على حالها ، وكذلك لو كان حائطا فقطع نخله ، أو شجره ، لكان على ما وصفت لك في الدار .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية