الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب إذا أعتق عبده على مال

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أعتق عبده على مال جعله عليه فقال : أنت حر وعليك مائة دينار ، قال مالك وأشهب : هو حر وعليه مائة دينار . وقال ابن القاسم وسعيد بن المسيب : هو حر ولا شيء عليه من المال . قال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب : العبد بالخيار فإن رضي كان حرا وأتبع بالمال ، وإن كره كان رقيقا .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال : أنت حر على أن عليك مائة دينار ، فقال مالك : ذلك لازم للعبد ، وإن كره . فظاهر قوله أنه حر من الآن ويتبع بالمال . وقال ابن القاسم في كتاب محمد : إن العبد بالخيار فإن رضي لم يعتق حتى يدفع المال ، وإن كره كان رقيقا .

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ عند ابن حبيب : لا خيار للعبد ولا يعتق حتى يدفع المال إلا أن يقول السيد : أردت تعجيل العتق . ولم يختلف المذهب إذا قال : أنت حر على [ ص: 3832 ] أن تدفع إلي مائة دينار ، أن العبد بالخيار بين القبول أو الترك ويكون رقيقا ، وأنه إن قبل لم يعتق حتى يدفع المال .

                                                                                                                                                                                        فإن قال : إن أعطيتني مائة دينار فأنا أعتقك ، فرضي العبد ورجع السيد عن ذلك المقال . قال ابن القاسم : يحلف السيد أنه ما أراد إيجاب العتق وما أراد إلا لينظر فيه ولا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        وأما قوله : أنت حر وعليك مائة . فقول مالك فيها أحسن فيجبر العبد على أداء ذلك المال متى قدر عليه; لأن السيد لم يدخل عليه بذلك ضررا ، وقد كان له أن يأخذ ذلك منه مع بقائه في الرق ، ولم يزده بالعتق إلا خيرا ، ولا يعد نادما بإردافه المال; لأن ذلك نسقا وقد قال عويمر : "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها " ، . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 3833 ]

                                                                                                                                                                                        فطلقها فلم يؤاخذ بأول قوله كذبت عليها ويعد مكذبا لنفسه .

                                                                                                                                                                                        وأما قوله : أنت حر على أن عليك ، فإنه لفظ مشكل ، فأرى أن يسأل فإن قال : أردت جبره على المال ويكون عتيقا ، قبل قوله . وإن قال : أردت أن أخيره هو صدق ولم يعتق العبد إلا أن يختار ذلك ويلزم المال . ولا أرى أن يؤخر العتق حتى يدفع; لأن الذي يقتضيه اللفظ أنه حر متى كان المال في الذمة ، فإن كان في الذمة قيل : على هذا العبد كذا وكذا ، بخلاف قوله : على أن يدفع ، فلا يعتق إلا بوصول المال إليه ; لأنه علق العتق وفارق البيع للعادة; لأنه لو قال : أبيعك هذا العبد على أن تدفع إلي مائة دينار إلى سنة . فإن للمشتري أن يتعجل قبض العبد ولا يؤخر قبضه ليقبض المال ، والعتق [ ص: 3834 ] كالكتابة أنه لا يعتق العبد إلا بأداء المال .

                                                                                                                                                                                        وإذا قبل العبد العتق في قوله : أنت حر على أن تدفع إلي ، حيل بين السيد ومال العبد وخراجه ، وله أن يسعى فيما التزم من المال ويضرب له من الأجل ما يرى أنه يحضره فيه ، وإن لم يأت به تلوم له ولم يمكن العبد من أن يطول بسيده فإن لم يحضره كان رقيقا ، وإن رضي غيره يدفعها عنه أجبر السيد على قبولها ، وكان العبد حرا . وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب : إذا قال : إن جئتني بمائة إلى سنة فأنت حر وأشهد بذلك ثم أراد بيعه كان ذلك له إلا أن يقيم بيده حتى يأتي بالمائة فيمنع من بيعه .

                                                                                                                                                                                        وأما الطلاق فإن قال : أنت طالق وعليك مائة دينار ، كانت طالقا والمال ساقط . وإن قال : على أن تدفع إلي مائة دينار ، لم تطلق عليه حتى يحضر المال ، والزوجة بالخيار بين أن تقبل ويحال بين الزوج وبينها حتى يحضر المال ، أو لا تقبل وتبقى زوجته . وإن قال : أنت طالق على أن عليك مائة دينار ، جرت على الخلاف المتقدم في العتق ، فعلى قول مالك تكون طالقا والمال ساقط ، وعلى قول ابن القاسم لا يقع الطلاق إلا بدفع المال ، وعلى قول أصبغ تخير الزوجة [ ص: 3835 ] فإن التزمت المال كانت طالقا وأتبعت بالمال ، وإن كرهت بقيت زوجة إلا أن يعترف الزوج أنه قصد في شيء من هذه الوجوه أنها طالق من الآن من غير خيار لها في ذلك فتكون طالقا ويسقط المال .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية