الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 4133 ] باب في الإقرار بالولاء

                                                                                                                                                                                        الإقرار بالولاء يصح إذا أقر أنه هو المعتق، فقال: أعتقني فلان، وصدقه فلان، ولم يقم دليل على كذبه، فإذا كان كذلك جرى مجرى ما شهدت به البينات في الموارثة والمعاقلة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كذبه فلان فقيل: لا يثبت له ولاء، وهو المعروف من المذهب.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: يكون مولاه وإن أنكره ولم يأت ببينة، ولا يكون ذلك في الولد إلا ببينة أو بإقرار الأب.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن، إلا أن يقول إن إقراره يتضمن حقا له ولغيره من ولد المقر له من أخ أو عاصب، فلا يسقط حق المقر له من غير المعتق، ويصح على قوله إن صدقه ولد المقر له أو أخوه أو عاصبه أن يعقلوا عنه، وإن مات المقر بعد موت المنكر فأرى أن يرثه من صدقه هو من ولد أو أخ إن لم يكن للمقر ولد، وإن قال: أعتقني فلان، وفلان هذا ميت وله ولد أو عصبة، فإن صدقوه ثبت ولاؤه له، وإن اعترف بحي، فقال: هذا أعتق أبي أو جدي، وصدقه من اعترف له -لم يثبت له بذلك ولاء؛ لأنه اعترف بالرق على غيره، فإن مات المعترف بالولاء ولا وارث له بالنسب أخذ ميراثه المقر له بعد يمينه، وهو في هذا بمنزلة من قال: فلان أخي؛ لأنه يستلحق فراش أبيه، وهذا أقر [ ص: 4134 ] على أبيه بالعتق.

                                                                                                                                                                                        وإن مات رجل وخلف ابنتين فأقرتا لرجل أنه أعتق أباهما لم يثبت له بذلك ولاء، فإن لم يكن للميت من يرث الباقي عن الثلثين، وكانتا عدلتين حلف معهما واستحق الفاضل بمنزلة شاهد شهد بالعتق، وعلى قول أشهب يكون بيت المال أحق به من المقر، وإن ماتت واحدة منهما بعد ذلك أخذ الفاضل عن أختها، وإن ماتت الأخرى أخذ جميع ما خلفت -وإن لم تكن

                                                                                                                                                                                        عدلة- إذا حلف، وقيل: هو لبيت المال، وهي بمنزلة من أقر عند الموت بأن هذا أخوه، ولا وارث له أنه يأخذ ميراثه وإن لم يثبت النسب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون عند ابن حبيب: إذا قال عند موته: فلان مولاي وفلان أخي ولا يعرف ذلك منهما إلا من قوله قال: يرثه مولاه دون أخيه.

                                                                                                                                                                                        وفي العتبية لأصبغ: إذا قال: هذا مولى أبي وهذا أخي -يبدى الأخ بالميراث؛ لأن الإقرار بأن الأب المعتق لا يثبت ولاءه، وكذلك الإخوة وهو إقرار كله، فبدى النسب.

                                                                                                                                                                                        وهو في هذا بخلاف قوله: "فلان مولاي، وفلان أخي"؛ لأن قوله: "مولاي" كالبينة، ولا يثبت النسب بقوله: فلان أخي، فيبدى الولاء لثبوته على النسب؛ لأنه لم يثبت، وإذا قال: مولى أبي، وفلان أخي لم يثبت واحد منهما، وهو إقرار كله، فيبدى بالنسب. [ ص: 4135 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية