الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في المقاصة في الديون

                                                                                                                                                                                        وإذا كان لرجلين لكل واحد منهما على صاحبه دين، فإن كان الدينان دراهم، أو دنانير وهما في السكة والوزن سواء، جاز أن يتقاصا عند ابن القاسم، حل الأجلان، أو حل أحدهما، أو لم يحلا، اتفق الأجلان، أو اختلفا.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع: يجوز إذا حلا أو حل أحدهما، ولا يجوز إذا لم يحلا اتفق الأجل أو اختلف. وروي عن مالك أنه منعه إذا اختلف الأجل، ووقف إذا اتفق الأجل. فأجيز في القول الأول؛ لأن ذمتيهما تبرأ الآن، ولا يبقى لأحدهما على الآخر شيء.

                                                                                                                                                                                        ورأى ابن نافع أن الذمم لا تبرأ، وأن كل واحد منهما أحال على صاحبه بما لم يحل فيدخله فسخ دين في دين.

                                                                                                                                                                                        وجعل في القول الآخر إذا اختلف الأجل؛ لأن المكايسة تدخل فيه، وإذا استوى الأجل لم تكن فيه مكايسة؛ لأنهما إذا حل الأجل على وجهين: [ ص: 4213 ]

                                                                                                                                                                                        إما أن يكونا موسرين فلكل واحد منهما أن يمسك ما عنده قضاء عن الآخر، أو أحدهما موسرا فله أن يمسك ما عنده قضاء عن المعسر، وليس كذلك إذا اختلف الأجل.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أحد الدينين أجود وحل الأجلان، أو حل الأجود منهما، أو لم يحلا وكان الأجود أولهما حلولا، جازت المقاصة، وإن حل الأدنى، أو كان هو أولهما حلولا، لم يجز ودخله ضع وتعجل، وكذلك إن كان أحدهما أكثر عددا فتتاركا على ألا يطلب صاحب الأكثر الفضل. تجوز المقاصة حسب ما تقدم في الأجود، وهذا إذا كان الدينان من بيع.

                                                                                                                                                                                        وإن كانا من قرض فحلا جميعا، جازت المقاصة إذا كان أكثرهما أولهما قرضا، وإن كان الأكثر آخرهما قرضا لم تجز المقاصة عند ابن القاسم واتهم على سلف بزيادة، وأجازه ابن حبيب وغيره، ورأى أن زيادة العدد والجودة واحدة، وإن حل أحدهما وهو الأقل أو لم يحلا وكان أقلهما أولهما حلولا، لم تجز المقاصة، وإن حل الأكثر أو كان هو أولهما حلولا وأولهما قرضا، جاز، وإلا لم يجز، وإن استوى الأجل، جاز ما لم يكن الأكثر آخرهما قرضا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع، جازت المقاصة ما لم يكن الذي حل أولهما حلولا الأقل وما لم يعد إلى المقرض أكثر.

                                                                                                                                                                                        وإن كان أحد الدينين دنانير والآخر دراهم، جازت المقاصة، إن حل الأجلان، وإن حل أحدهما أو لم يحلا وقد اتفق الأجلان أو اختلفا لم تجز [ ص: 4214 ] المقاصة عند مالك وابن القاسم؛ لأن المبايعة يدخلها الصرف المستأخر وفسخ الدين بالدين، بخلاف أن يكونا من جنس واحد فيجوز إذا حل أحدهما قولا واحدا، وعلى القول ببراءة الذمم يجوز وإن اختلفا ولم يحلا، وهو أحسن وليس القصد منهما أن يبقى دين صاحبه في ذمته ليستوفيه من نفسه إذا حل الأجل.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية