الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في شراء المعري لعريته]

                                                                                                                                                                                        اختلف عن مالك في شراء المعري عريته على ثلاثة أقوال؛ فأجاز مرة شراءها بالدنانير والدراهم والعروض، وبالطعام، وبخرصها، وذكر ابن شعبان عنه أنه منع شراءها بالدنانير والدراهم والعروض، وأجازه بالخرص وحده، وروي عنه عكس ذلك: أنه منعه بالخرص وأجازه بالعين وغيره.

                                                                                                                                                                                        فأما إجازة شرائها بالخرص وغير ذلك فلحديث زيد بن ثابت قال: "رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها"، فإذا أجيز له شراؤه بالخرص مع ما فيه من الوجوه الممنوعة ولم يعد راجعا في هبته، كان ذلك أحرى أن تجوز بالدنانير والدراهم. وأما إجازتها بالخرص وحده [ ص: 4283 ] فلقوله - صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" فاقتضى هذا الحديث منع شرائها جملة، إلا بما وردت فيه رخصة، وبالخرص وردت.

                                                                                                                                                                                        وأما منعه بالخرص خاصة فله فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنه قد اختلف في معنى الحديث، هل أريد به المعري أو غيره؟ وإذا اختلف في ذلك، وكان الأصل المنع؛ لأن في بيعها بخرصها بيع الرطب باليابس، والجزاف بالمكيل، والنقد بالنساء، فاستحسن الوقوف عن ذلك، والوجه الآخر: تقديم القياس على الخبر لما كان بيع العرية بخرصها يتضمن الوجوه التي ذكرناها، وهي ممنوعة باتفاق، ولم يرد طريق الرخصة مثل طريق المنع في الصحة.

                                                                                                                                                                                        وأجاز شراءها بالعين والعروض؛ لأن الحديث في منع شراء الهبة فيما وهبت رقبته، ولم يبق للواهب فيه تعلق، كالعبد والفرس على أحد القولين، والعرية هبة منافع ولها تعلق بالأصول، فتارة يشتري ذلك إرادة [ ص: 4284 ] معروف يصنعه ليحمل عنه السقي والمؤنة والخراصة والجداد، وتارة يشتريها ليرفع مضرة المعرى من دخوله وخروجه، وقد يطلع منه على أذية أو خيانة.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يسأل المعري لماذا يشتريها؟ فإن قال: لأرفع مضرة من دخوله وخروجه دخلت علي، أو لأتصرف في الرقاب، أو إرادة معروف جاز. وإن قال: رغبة في شرائها وإرادة التجر، منع من شرائها بالعين، للحديث: "العائد في هبته"، وبالخرص للحديث الآخر في منع المزابنة والطعام المتأخر.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية