الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في المسلم يشتري الخمر من النصراني أو يبيعها وفي النصرانيين يسلمان أو أحدهما وقد عقدا ربا، أو أسلم في خمر، أو له ثمن خمر

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المسلم يشتري خمرا من النصراني: يكسرها على المسلم، ولا أدعه يردها على النصراني، ويتصدق بالثمن على النصراني حتى لا يعود. قال ابن القاسم: فإن قبض الثمن لم ينتزع منه. وقال سحنون: ينتزع وإن قبضه، ويتصدق به. وقال ابن حبيب: إن قبضه ترك به، وإن لم يقبضه لم يقض له به، وكسرت الخمر على النصراني إذا قبضت أو أبرزها، وإن لم يقبض، ويتصدق بالثمن في موضعين: إذا لم يقبض وكان معينا، أو قبض ولم يقبض الخمر، وإن لم يكن معينا لم يتصدق به.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يدرك ذلك قبل أن يتقابضا، ولم يعين الثمن ولا الخمر، نقض البيع بينهما وعوقب المسلم والنصراني، إن لم يغرر بجهالة، وإن كان معينين ولو تقابضا تصدق بالثمن على المسلم، وكسرت الخمر على النصراني، وكذلك إن قبض الخمر ولم يسلم الثمن، ولو دفع ولم يقبض الخمر وكان الثمن قائما- جاز أن يقبض وينتزع الثمن، فيتصدق به، ويكسر الخمر على النصراني. [ ص: 4313 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا فات الثمن، فقال مالك: لا ينتزع. وقول سحنون: إنه ينتزع- أبين. وكذلك إن كان المسلم هو البائع للخمر من النصراني، فإن عين الخمر والثمن، كسرت الخمر على المسلم، إذا كانت بيده أو قبضت ولم يفت، ويتصدق بالثمن على النصراني إن دفع أو لم يدفعه وكان معينا، إلا أن يعذر بجهالته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا فاتت الخمر عند النصراني، فقال محمد: اختلف فيه قول مالك، فمرة قال: لا يؤخذ من النصراني. ومرة قال: يؤخذ؛ فيتصدق به.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وهو أحب إلينا. قال محمد: لا يؤخذ منه، وإن كان أخذ رد عليه، وأغرم خمرا مثل ما أخذ، فيكسر على المسلم. ولو أخذ منه الثمن لكان قد أجيز له شراؤها. والأول أحسن.

                                                                                                                                                                                        وأخذ الثمن ليتصدق به بعد فوت الخمر أولى من أن يغرم مثلها. وقال ابن القاسم في مسلم اشترى من نصراني جارية بخمر فحملت أو أعتقها: ذلك فوت، وللنصراني على المسلم قيمة الجارية. قال سحنون: ويؤخذ الخمر من النصراني، أو مثلها إن كان أتلفها فيهراق. وأرى إن كانت قائمة أن تهراق على المسلم، ويدفع القيمة للنصراني وإن فاتت، والصدقة بالقيمة أولى من إغرامه [ ص: 4314 ] المثل، وإنما يغرم المثل في أحد القولين إذا كانت في ملكه، وإلا لم يكلف شراءها، وأخذ منه الثمن الذي تشترى به فيتصدق به.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية