الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في بيع أرض الصلح وأرض العنوة وإذا هودن أهل الحرب ثم أغار عليهم غير من هادنهم، هل يشتريهم من هادنهم وما أشبه ذلك؟

                                                                                                                                                                                        يجوز لأهل الصلح بيع أرضهم، بقوا على دينهم أو أسلموا، إذا لم يجعل عليها في حين الصلح خراج.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك إذا كان عليها خراج، فأجاز مرة بيعها، ومرة وقف وأبى أن يجيب فيها بشيء، وقال أيضا: لا ينبغي لمسلم أن يبتاع أرضا عليها جزية، وأجاز ابن القاسم وأشهب بيعها.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الخراج، فقال ابن القاسم: الخراج على البائع، وسواء باعها من مسلم أو ذمي، وإن أسلم البائع سقط خراجها، وإن شرط البائع خراجها على المشتري كان بيعا مكروها؛ لأنه لا يدرك قدره ولا منتهاه. وقال أشهب: الخراج على المشتري ولا يجوز شرطه على البائع. يريد: لأن الغالب من أهل الكتاب أنهم لا يسلمون، فهو لا يسقط ولا منتهى له، فكان كونه على المشتري أحوط؛ لأنه إن بقي على البائع فافتقر أو غاب أو مات، وأصابت الأرض لم يؤخذ شيء، فكانت الأرض تصيب والخراج غير مؤدى، فكان هذا أحوط، وإن شرط على البائع مضى على القول الآخر، وإن لم يشترط على واحد ودخلا على ما يوجبه الحكم، وهما لا يعرفان- كان البيع فاسدا قولا واحدا. [ ص: 4319 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في أرض العنوة، فمرة قال: لا تقسم. ومرة قال: لا بأس بقسمتها. ولا خلاف أنه إن قسمها الإمام أن فعله ماض ولا يرد، فإن رأى وقفها للأبد، وكانت حبسا ينتفع بمنافعها، بإجارة وبغير إجارة. وإن أوقفها ليرى رأيه فيها في المستقبل- جاز، ويعطي الآن منفعتها هبة أو بكراء، حتى يرى وجها لقسمتها، وإن تركت لأهل العنوة، الذين افتتحت عليهم على وجه العون، ليس على وجه الملك- لم يبيعوها، وإن مات لم يورث عنه، وإن أسلم لم يكن له وما خلا أهله عنه كالعنوة، فإن رأى الإمام قسمتها قسمها، وإن رأى أن يوقفها وقفها، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قسم خيبر على السهمين. وقال عمر: لولا أن يأتي من المسلمين، لم أدع قرية أفتتحها إلا قسمتها، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر. أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        فسلم عمر - رضي الله عنه - أن القسم جائز لم ينسخ، ولأنه إذا أجاز أن يعيد على الجيش بعض الخمس على وجه النفل؛ جاز أن يخمس ما سوى الأرض، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فتح مكة عنوة. قال ابن شعبان: وأجمعوا على أنه لم يجعلها فيئا، كما فعل بغيرها. [ ص: 4320 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: فأرض مصر وديارها لا تباع. يريد: لأنها وقفت على وجه الحبس؛ فلا تباع رقابهم. وقال ابن القاسم في المنتخبة: قال مالك: إذا أسلم أهل العنوة أخذ منهم دنانيرهم ودراهمهم وعبيدهم وكل ما لهم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية