الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن باع عبدا ودلس فيه بعيب]

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم -فيمن باع عبدا ودلس فيه بعيب: إن للمشتري أن يرد به، فإن أصابه عند المشتري عمى أو عور أو قطع أو شلل، رد معه ما نقصه أو حبسه، ورجع بقيمة العيب، إلا أن يقول البائع أنا أقبله بالعيب الحادث فيكون له ذلك.

                                                                                                                                                                                        وإن كان العيب الحادث خفيفا مثل الحمى والرمد، رده ولا شيء عليه، وإن ذهبت أصابعه أو إصبع واحدة لم يرده إلا بما نقص، وإن ذهبت الأنملة وكان من العلي رده وما نقصه، وإن كان من الوخش لم يكن عليه شيء، وإن [ ص: 4353 ] ذهب ظفره لم يكن عليه شيء، وإن كان من العلي رده وما نقصه.

                                                                                                                                                                                        وقد خولف في هذه المسألة في ثلاثة مواضع:

                                                                                                                                                                                        أحدها: إذا كان العيب مفسدا. فقال محمد بن مسلمة: إذا عمي أو أقعد أو هرم أو كانت دابة سمينة فعجفت، أو انقطع ذنبها حتى تصير في غير حدها الذي تراد له، أخذ قيمة العيب ولم يرده.

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا قال البائع: أنا أقبلها بالعيب الحادث ولا شيء عليك، أو تمسك ولا شيء لك. فقال ابن دينار: ليس له ذلك؛ فقد يريد العبد ويرغب فيه فيقول له: احبس ولا غرم علي، أو رد ولا غرم عليك. وقاله ابن دينار

                                                                                                                                                                                        والثالث: إذا حدث به حمى. فقال سحنون: الحمى مرض من أمراض الموت. يريد فلا يرد به.

                                                                                                                                                                                        والعيب الحادث عند المشتري ثلاثة: يسير، وكثير لا يبطل الغرض الذي كان يملك لأجله، وكبير يبطل ذلك الغرض منه.

                                                                                                                                                                                        فإن كان يسيرا كان كالعدم عند ابن القاسم، والمشتري بالخيار بين أن يمسك ولا شيء له، أو يرد ولا شيء عليه. وإن كان كثيرا ولم يبطل الغرض منه، لم يمنع من الرد، وكان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يرد، ويرد ما نقصه العيب. وإن كان ذلك العيب قد أبطل الغرض الذي يراد منه، لم يكن له رد ورجع بقيمة العيب، فالعمى وقطع اليد والشلل، يبطل الغرض من العبد، كما قال ابن مسلمة وذلك فوت، وكذلك الهرم والعجف في الدابة إذا كان لا يرجى ذهابه، وقطع ذنبها إذا كانت تراد قبل [ ص: 4354 ] ذلك للركوب، وكذلك الإصبع والأنملة من العبد الصانع إذا كان يرغب فيه لصنعته، فبطلت صنعته لذهاب الإصبع والأنملة.

                                                                                                                                                                                        وأما الظفر فخفيف في العلي من العبيد، ولا يخفف في العلي من الجواري ولا يردها إلا بما نقص ذلك العيب.

                                                                                                                                                                                        وقول سحنون في الحمى حسن ولا يعجل بالرد، ولأنه في شك مما ينكشف عنه، فقد ينكشف عن عرض مخوف يمنع الرد. وكذلك الرد لا يعجل برده حتى ينظر ما يؤول إليه.

                                                                                                                                                                                        وقول عيسى في الوجه الآخر حسن إذا زاد سوق العبد أو زاد في نفسه، وإن لم يزد سوقه ولا زاد في نفسه، فقول ابن القاسم أحسن. والقياس في العيب اليسير إذا كان البائع غير مدلس ألا يرد المشترى إلا بما نقصه العيب؛ لأنه قبضه سالما فعليه أن يرد سالما، وقد حدث العيب وهو في ضمانه، وإن دلس لم يرد عنه شيء؛ لأن الغالب أنه لا ينفك من ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إذا حدث عيب في الخلق، شرب الخمر أو السرقة أو الزنا أو الإباق، لم يغرم المشتري عنه شيئا، وهذا خلاف الأصول، ولا فرق بين عيب الخلق وغيره. [ ص: 4355 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية