الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في صفة اليمين على ما خفي من العيوب وما كان ظاهرا لا يخفى]

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة اليمين في العيب المشكوك فيه، فقال ابن القاسم: يحلف في الظاهر على البت وفي الخفي على العلم. وقال أشهب: يحلف فيهما جميعا على [ ص: 4407 ] العلم. وهو أحسن؛ لأنه لا يقطع بحدوثه ولا بقدمه، ويجوز أن يكون الحق عليه فيه للآخر، فكيف يحلف على البت وهو مقر أنه شاك، ولأنه إن حلف أنه لا يعلم وهو عالم كان آثما.

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد: إن شهد شاهد بقدم العيب عند البائع، حلف المشتري مع شاهده على البت، وإن كان العيب مما يخفى، ويرد. قال أصبغ: فإن نكل حلف البائع على العلم. وقال محمد: يحلف على البت، وهي اليمين التي نكل عنها المشتري.

                                                                                                                                                                                        وليس هذا بالبين، وأرى إن كانت الشهادة على قدمه وعلى علم البائع به وقال المشتري: يعلم صحة الشهادة؛ لأن البائع اعترف عندي بذلك، كانت يمين المشتري على البت، وردها عند النكول على البت. فإن قال الشاهد: علمته قبل البيع، ولا أدري هل رآه البائع؟ وقال المشتري: لا علم لي سوى قول الشاهد، لم يحلف مع شهادته على الصحيح من المذهب؛ لأنه يكلف اليمين على بت الشهادة، ولا علم عنده من صدق الشاهد، واليمين ها هنا في جنبة البائع على العلم، وكأنه لن يشهد بذلك شاهد.

                                                                                                                                                                                        وإن قال الشاهد: علم بذلك البائع ولا علم عند المشتري من صدقه، كانت اليمين في جهة البائع، فيحلف على البت في تكذيب الشاهد، وعلى العلم في قدم العيب. فإن نكل عن العيب وحلف على تكذيب الشاهد، رجعت اليمين على المشتري على العلم بمنزلة لو لم يشهد بذلك شاهد. وإن نكل عن تكذيب الشاهد، وإن نكل عن تكذيب رد البيع ولم يرد اليمين، وإن قطع المشتري بصدق الشاهد ولم يقطع بمعرفة البائع، حلف المشتري على البت، فإن [ ص: 4408 ] نكل حلف البائع على العلم.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم - فيمن قام بعيب، فقال البائع: احلف أنك لم تره وما رضيت به أو ما تسوقت به بعد أن علمت: فلا يمين عليه إلا أن يدعي أنه أراه إياه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: أخبرني مخبر أنك رأيته أو رضيته أو تسوقت به، فقال ابن القاسم: يحلف.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب -في كتاب محمد: لا يمين له، وإن ادعى أن مخبرا أخبره بذلك. وهو أصوب؛ لأنه قد يكذب ليتوصل إلى يمينه، وعليه أن يحضر من أخبره، فإن كان عدلا كان له أن يحلف معه أو يرد اليمين، وإن كان حسن الحال وليس بعدل كان لطخا يحلف به، وإن كان ساقط الحال لم يكن لطخا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: يرد بالعيب القديم من غير يمين، كان العيب مما يخفى أو ظاهرا مما لا يخفى. قال محمد: طالت إقامته أو لم تطل. قال ابن القاسم: لا يمين له إلا أن يكون من الظاهر الذي لا يشك أنه لا يخفى، مثل: قطع اليد أو الرجل، أو العور. قال الشيخ: أما العور: فإن كان قويم العين وقد ذهب نورها فيصح أن يرد به وإن طال. وإن كان مطموس العين لم يرد به وإن قرب، إلا أن يكون بفور الشراء. ولو قيل: إنه لا يصدق أنه لم يره لكان وجها. وكذلك أقطع اليد [ ص: 4409 ] إذا كان قد قلب يده، وإن قال: كتمني العبد هذه اليد، حلف على ذلك فيما قرب. وقطع الرجل أبين أن لا يمكن من الرد، إلا أن يكون بفور ما يصرف بين يديه عند العقد، وكان الشراء وهو جالس.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في كتاب محمد: لو ابتاع بعض النخاسين عبدا، فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع ونقص حاله فوجد عيبا، لم أر أن يرد؛ لأنه يشتري فإن وجد ربحا باع وإلا خاصم، فأرى أن لا يلزم هؤلاء فيما علموا وما لم يعلموا.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: والذي هو أحب إلي إن كان عيبا يخفى، حلف أنه ما رآه ورد، وإن كان على غير ذلك لزمه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية