الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن اشترى عبدا فقام فيه بسرقة أو إباق]

                                                                                                                                                                                        ومن اشترى عبدا فقام فيه بسرقة أو إباق، فإنه على ستة أوجه: إما أن يقول: يمكن أن يكون سرق عندك أو أبق فاحلف لي على ذلك، ولم يطلع هو منه على مثل ذلك. أو يقول: أخبرت أنه سرق عندك أو أبق. أو يقول: سرق عندي أو أبق، فاحلف لي أنه لم يحدث مثل ذلك عندك. أو يقول: قد فعل ذلك عندي، وأخبرت أنه أحدث مثل ذلك عندك، أو يعلم أنه سرق عند المشتري أو أبق، فيقول: احلف أنه لم يكن أحدث مثل ذلك عندك. أو يقول: علمت أنه أحدث مثل ذلك عندك، فعليه اليمين في هذا القسم؛ لأنه اجتمع فيه الوجهان: ثبوت السرقة والإباق ودعوى العلم أنه فعل مثل ذلك عند البائع، ولا يمين [ ص: 4410 ] في القسم الأول، ولا خلاف في هذين.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيما سوى ذلك، فأصل ابن القاسم إذا قال: أخبرني مخبر، أنه يحلف. وقال أشهب: لا يمين عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -في كتاب محمد: إذا طعن المشتري أن العبد كان عند البائع آبقا أو سارقا أو حد أو زانيا، أو غير ذلك من العيوب التي لا يعلم بها إلا بقوله، فليحلف البائع على علمه فيها. وقال أشهب: لا يمين عليه. وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا قال: أحدث هذه الأشياء عندي، فاحلف أنه لم يعملها عندك، فعليه اليمين على قول ابن القاسم الأول، ولا يمين عليه على قول أشهب. وكذلك إذا قال: أحدث ذلك عندي، وأخبرت أنه فعل ذلك عندك، فعليه اليمين على قول ابن القاسم، ولا يمين عليه على قول أشهب، فأحلف مرة في القول الأول لأن المشتري ادعى ما يشبه، ولم يحلف في القول الآخر حماية من استماع الدعوى على البائعين؛ لأن المشتري إذا كره العبد أو الجارية أو استغلاها، ادعى مثل ذلك ليرد، فحمى باب الدعوى في ذلك، إلا أن يأتي بلطخ.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا لم يقم العبد عند المشتري إلا أياما حتى أبق، فقال المشتري: أخاف ألا يكون أبق مني في قرب إلا وقد أبق عندك. فقال: قال مالك: لا يمين عليه.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وإنما بيع الناس على الصحة، وما جهل هل دلس فيه [ ص: 4411 ] البائع؟ فهو على الصحة حتى تشهد البينة بخلاف ذلك. وقال محمد: إذا ظهر به هكذا، فلا بد من اليمين، وإلا رد عليه، وأما أن يطلب منه اليمين في عيب ليس به، فلا تجري حتى يظهر العيب، فيخاف أن يكون أصله قديما.

                                                                                                                                                                                        وقول محمد في هذه المسألة أحسن؛ لأن ظهور هذا العيب كالمشكوك فيه، هل هو قديم؟ وكذلك أرى إذا قال المشتري: سرق عندي وكان من أهل الدين والثقة؛ لأن سرقة العبد من مال سيده وما يأخذه من بيته، لا تشهد عليه البينة في الغالب، فأرى أن يحلفه وإن لم تشهد بينة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: إذا قال العبد كنت أبقت عند الأول، حلف البائع. وكذلك أرى إذا قال: كنت سرقت عنده، ويحلف.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن اشترى عبدا أو أمة فتبين أنهما زنيا، فقال مالك -في المدونة: يردان بذلك العيب. وقال سحنون: ذلك عيب وإن كانا من الوخش. وقال أشهب -في كتاب محمد: إن كانا من العلي وكان ينقص من الثمن فهو عيب، وإن كانا من الوخش فلا. وقال ابن شعبان: هو عيب في الجارية؛ لأنها تتخذ للولد، بخلاف العبد. يريد إذا كانت من العلي، وهذا أحسنها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية