الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في وجوه استبراء الأمة]

                                                                                                                                                                                        الأمة المستبرأة على عشرة أوجه: ذات حيض، وذات حمل، ومن لا تحيض لصغر أو كبر، ومرتابة، ومستحاضة، ومريضة، ومرضع، ومعتدة من طلاق أو وفاة، وقد تقدم ذكر المستحاضة والمرتابة، وإن كانت ذات حيض استبرئت بحيضة واحدة، ولا خلاف في المذهب في ذلك، وعليه فقهاء الأمصار; مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم، وحكي عن ابن المسيب أنه قال: تستبرأ بحيضتين، وجعلها كالأمة المعتدة من طلاق.

                                                                                                                                                                                        وعن ابن سيرين أنه قال: تستبرأ بثلاث حيض، والأول أصح; لحديث [ ص: 4495 ] أنس في صفية: أنها حلت لما بلغت سد الروحاء. ومعلوم أنه لم يكن بين مصيرها إليه وإتيانه بها ما تحيض فيه أكثر من حيضة، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا توطأ حائل حتى تحيض". فأحلها بوجود الحيض ولم يشترط ثلاثا. وقال ابن عباس: كانت المرأة من أهل الحرب إذا هاجرت لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلت للأزواج. أخرجه البخاري.

                                                                                                                                                                                        واختلف في قدر الحيضة التي تبرئها على أربعة أقوال، فقيل: أقل ذلك خمسة أيام، وهو قول عبد الملك بن الماجشون وسحنون، وقال محمد بن مسلمة: أقله ثلاثة أيام. وقال مالك في كتاب محمد في امرأة رأت الدم يوما أو يومين: تترك له الصلاة ولا يكون حيضة يوما، وأرى أن يسأل عنه النساء ولا تكون حيضة يومين. يريد: أن يسأل النساء فيما زاد على اليومين. وقال في المدونة: إذا رأت الدم يوما أو بعض يوم يسأل عنه النساء، فإن قلن: إن الدم يكون يوما أو بعض يوم، كان استبراء. قال ابن القاسم في كتاب محمد: إلا أن تكون حيضتها قبل ذلك أكثر من هذا فلا أراه [ ص: 4496 ] استبراء.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله النساء، فإن قلن إن الحيضة تكون يوما أو بعض يوم، قبل قولهن وبرئ البائع في ذلك وحلت للمشتري، وهذا إذا علم أن ذلك عادة هذه الأمة، وإن لم يعلم لم يبرأ البائع بذلك ولم تحل للمشتري; لأن مثل ذلك لا يكون حيضة إلا نادرا، ولا يدرى هل هذا بقية حيضة تقدمت ومما يضاف إلى الأول، أو هو حيض مستأنف؟ وإذا أشكل الأمر لم يبرأ الأول بالشك ولم تبح لهذا، وإن كانت في الإيقاف من أول طهرها فأقامت طهرا كاملا، برئ البائع به وحلت للمشتري; لأنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أن يعاودها الدم بقرب ذلك، فهو مضاف إلى الأول، أو بعد أمد يكون طهرا، فالأول حيضة كاملة، إلا على ما روى ابن وهب عن مالك: أنها لا تبرأ بدخولها في الدم حتى يعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة، فلا يبرأ البائع بهذا القدر إذا لم يعلم أنها تقدمت لها عادة. [ ص: 4497 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية