الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن ظن أنه رعف أو أحدث فخرج ثم تبين له أنه لم يصبه ذلك: هل يبني؟ وإن كان إماما هل يفسد عليهم؟ فقال مالك: يبتدئ الصلاة ولا يبني .

                                                                                                                                                                                        وظاهر قول ابن القاسم أنه إن كان إماما لم يفسد; لأنه لم يتعمد.

                                                                                                                                                                                        قال سحنون في المجموعة: لأنه خرج بما يجوز له، ويبتدئ الصلاة خلف الذي استخلفه.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب ابنه: أبطل عليهم; لأنه يستطيع أن يعلم ما خرج منه قبل أن يخرج من المحراب، إلا أن يكون في ليل مظلم.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: يبني ولا يبطل على من خلفه; بمنزلة من ظن [ ص: 395 ] أنه سلم فخرج ثم عاد فسلم.

                                                                                                                                                                                        وهو أقيس; لحديث ذي اليدين أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - وهو يظن أنه أتم، فتكلم ثم بنى .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن تنحنح مختارا أو نفخ أو جاوب إنسانا بالتسبيح أو بآية من القرآن أو فتح على من ليس معه في صلاة، فقال مالك في النفخ: أراه بمنزلة الكلام . وقال في المجموعة: أكرهه، ولا يقطع الصلاة .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: إذا تنحنح يسمع إنسانا فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        وقال في مختصر ما ليس في المختصر: ذلك كلام; لقول الله -عز وجل-: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما [الإسراء: 23] وأخذ الأبهري بالقول الأول; قال: لأنه ليس له حروف هجاء .

                                                                                                                                                                                        والقول: إن الصلاة صحيحة إذا تنحنح أو نفخ أحسن، وليس هذا من الكلام المراد بالنهي. [ ص: 396 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن اضطره أنين من وجع: لم تفسد صلاته.

                                                                                                                                                                                        وإذا سها الإمام سبح به من خلفه من الرجال. واختلف في المرأة هل تسبح به كالرجل أو تصفق ولا تسبح، فقال في الكتاب: تسبح .

                                                                                                                                                                                        وقيل: تصفق; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال، وليصفق النساء" أخرجه " البخاري .

                                                                                                                                                                                        ولا يضعف هذا بقوله: " من نابه شيء في صلاته فليسبح" . لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في البيان على التسبيح خاصة، بل قال: " وليصفق النساء" . وعلق ذلك بما ينوب في الصلاة; ولأنه لا يختلف أن أول الحديث لا ينسخ آخره، وإنما تكلم الناس هل ينسخ أوله بآخره، وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن كلام المرأة فيه شيء، وإذا كانت مندوحة عن ذلك لم تتكلم ، والتصفيق يبلغ من ذلك ما يبلغ التسبيح; لأن التسبيح من الرجال لا يفهم الحادث ما هو ، وإنما يفهم منه أنه دخل عليه شيء في صلاته، والتصفيق يفهم منه ذلك. [ ص: 397 ]

                                                                                                                                                                                        ولا بأس على من استؤذن عليه وهو في الصلاة أن يسبح ليعلمه أنه في الصلاة.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : وما جاز للرجل أن يتكلم به في صلاته من الذكر والقراءة فيجوز أن يراجع بذلك رجلا أو يوقفه; وقد استأذن رجل على ابن مسعود وهو في الصلاة فقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين [يوسف: 99] .

                                                                                                                                                                                        ويجري فيها قول آخر; أن الصلاة تبطل قياسا على أحد القولين فيمن فتح بالقرآن على من ليس معه في الصلاة; ولأن الحديث: " من نابه شيء في صلاته" أنه كان فيما يتعلق بالصلاة; " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يصلي بالناس فسبحوا به فالتفت أبو بكر، ثم تأخر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -. . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                        وأجاز ابن القاسم في المدونة أن يسلم على المصلي .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب عن مالك في المبسوط: لم يكن يعجبه أن يسلم على المصلي. وأجاز في المدونة إذا سلم على المصلي أن يرد إشارة .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المدونة فيمن كان في صلاة وبين يديه كتاب فجعل [ ص: 398 ] يقرؤه، قال: إن كان عامدا ابتدأ الصلاة، وإن كان ساهيا سجد للسهو .

                                                                                                                                                                                        يريد: أنه نطق بالقراءة، ولو قرأ في نفسه لم تبطل صلاته وإن كان عامدا، إلا أن يطيل ذلك. وإن كان فيه قرآن لم يكن عليه شيء وإن نطق وهو عامد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية