الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من أخد الثوبين على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر]

                                                                                                                                                                                        وإن أخذهما على أن أحدهما لازم له ويرد الآخر، كان الجواب على الاختلاف المتقدم، فعلى قول ابن القاسم يضمن واحدا، وعلى قول أشهب وما ذكره ابن حبيب يضمنهما جميعا، والقول الآخر: أنه إن كان ذلك برغبة من البائع ضمن له واحدا، وإن كان برغبة من المشتري [ ص: 4564 ] ضمنهما، وهذا مع عدم البينة.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا شهدت البينة بضياعهما، فقول ابن القاسم أنه يضمن واحدا، والبينة وعدمها في ذلك سواء، وأصل أشهب أنه يضمنهما كالرهان والعواري، ويجري فيها قول ثالث أن لا ضمان عليه فيهما.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون ضامنا لهما مع عدم البينة، وأن لا شيء عليه إذا شهدت البينة بضياعهما; لأن المشتري قبضهما على أنهما على ملك البائع حتى يختار واحدا، والتزم أن يختار واحدا، فإذا ضاعا قبل أن يختار كانت المصيبة من البائع; لأنهما على ملكه ولا ينتقلان عن ملكه إلى ملك المشتري إلا أن يختار.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا ضاع أحدهما فقال محمد: الهالك منهما والسالم بينهما، وعليه نصف ثمنها، وفي المستخرجة يلزمه نصف ثمن الثوب التالف، وله أن يرد الباقي.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد أيضا: إذا كانا عبدين أخذهما ليختار أحدهما، وذلك واجب عليه فهلك أحدهما كان من البائع، ويجب رد الباقي على المشتري. وفي كتاب ابن سحنون: أن له أن يرد الباقي، وقاله أشهب وابن عبد الحكم.

                                                                                                                                                                                        فوجه الأول أنه لما كان أحدهما على وجه الشراء، والآخر على وجه الأمانة، ولم يعين ما كان على وجه الشراء مما هو على وجه الأمانة، جعل نصفا ونصفا. ووجه القول أن له أن يرد الباقي; لأن الشركة عيب، ولم يدخل المشتري على شركة، فكان له أن يرد بعيب الشركة. ووجه القول أن لا شيء عليه في التالف; لأن كل مبيع على خيار، على ملك بائعه حتى يختاره المشتري، [ ص: 4565 ] وإنما فائدة الإيجاب أنه لا بد للمشتري أن يختار أحدهما، وليس القصد إيجاب الشراء في نصف كل واحد، ثم يجمع النصفين في ثوب واحد أو عبد، ولزمه الباقي لما كان الاختيار في التالف لا يصح، وهو بمنزلة من قال لعبديه: أحدكما حر، فمات أحدهما قبل أن يختار، فقيل: الباقي حر; لأنا لا نجد موضعا للعتق والبيع إلا في الباقي.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف قول سحنون فيمن قال لعبديه: أحدكما حر، فقتلا، فقال: على قاتل الأول قيمة عبد، وعلى الثاني دية حر في الخطأ، ويقتص منه في العمد. وإن ماتا ورث الأول سيده بالرق، والثاني ورثته الأحرار، ثم رجع فقال: إن ماتا ورثا بالرق، وإن قتلا فقيمة عبدين قال: ولا يعتق واحد منهما قبل اختياره، فعلى هذا يكون له أن يرد الباقي وهو أقيسهما; لأن المشتري دخل على أنهما على ملك البائع حتى يختار، فهو يقول: لو كانا قائمين لأمكن أن يحسن عندي الهالك، أو هو الذي كنت أرغب فيه، وقد هلك وهو على ملك المشتري، فيحلف أنه هلك قبل أن يختاره ويبرأ.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال المشتري: كنت اخترت هذا الباقي قبل هلاك صاحبه هل يقبل قوله؟

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية