الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن وجد عيبا هل يكون له خيار أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: اختلف أصحابنا في بيع السلعة بما لا يتغابن الناس بمثله، مثل أن يشتري أو يبيع ما يساوي ألفا بمائة، فمنهم من قال: يكون للمغبون خيار، ومنهم من قال: لا خيار له، إذا كان من أهل الرشاد والبصر بتلك السلعة، وإن كانا أو أحدهما بخلاف ذلك، كان للمغبون منهما الخيار; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لحبان بن منقذ، وقال له: إني أخدع في البيوع. فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة". ونهيه عن إضاعة المال، وقوله: "لا ضرر [ ص: 4581 ] ولا ضرار" ولأنه نوع من الغبن في الأثمان، فجاز أن يتعلق به الخيار، أصله تلقي الركبان.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بايعت فقل: لا خلابة"، فإنه حجة لمن قال: الغبن ماض ولا قيام فيه; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمضى بياعاته التي كانت تقدمت قبل، ولم يجعل له قياما إلا أن يشترط في المستقبل، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبع حاضر لباد". وقال -في كتاب مسلم-: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض". فهي أن يبيع له سمسار; لأن ذلك يمنع مغابنة الجالب; لأن السمسار يعلم سعرها، وكيف السوق من الغلاء والرخص، والجالب لا يعلم ذلك.

                                                                                                                                                                                        وأما نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن تلقي الركبان، فإن حمل على أنهم الذين يأتون من البوادي، عاد الجواب إلى ما تقدم، إنهم لا يتلقون لحق أهل السوق; لأن في ذلك فسادا على من جلس ولم يتلق فلا يتلقون لهذا، فإذا بلغوا السوق باعوا لأنفسهم، وإن حمل على أنهم التجار الذين يقدمون بالبز وأشباه ذلك، وإن النهي محتمل، هل ذلك لحق أهل السوق، فإذا بلغ باع بنفسه أو لحقه؟ وأن لا يغبن، وإذا احتمل الوجهين لم تقم به حجة. [ ص: 4582 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف عن مالك في المصري يقدم المدينة، هل يبيع بنفسه كالبادي أو يباع له؟ فسقط الاحتجاج بهذا الحديث، وكانت الحجة لمن لم يجعل في ذلك حجة. قوله: "إذا بايعت فقل: لا خلابة"، وقوله "لا يبع حاضر لباد" فوجب أن لا يكون في ذلك الغبن مقال، إلا أن يقول البائع إذا كان الغبن على المشتري: ذلك ثمن سلعتي، أو أعطيت فيها ذلك، أو يقول المشتري إذا كان الغبن على البائع: إن سلعتك لا تساوي فوق ما أعطيتك، أو أن ذلك قيمتها، فيكون لمن وقع عليه الغبن مقال، إذا حلف أني استسلمت لقولك فاشتريت عليه أو بعت.

                                                                                                                                                                                        تم كتاب بيع الخيار والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية