الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [الوكالة على وجهين بعوض وبغير عوض]

                                                                                                                                                                                        الوكالة على ضربين: بعوض، وبغير عوض. فإن كانت بعوض وكانت على وجه الإجارة لزمت الفريقين بنفس العقد، واختلف إذا كانت على وجه الجعالة على ثلاثة أقوال: فقيل: هي لازمة لهما كالإجارة. وقيل: تلزم الجاعل بنفس العقد، والمجعول له بالخيار قبل العمل وبعده. وقيل: كل واحد منهما بالخيار قبل العمل، فإن شرع في العمل سقط خيار الجاعل وبقي الآخر بالخيار، وإن كانت الوكالة بغير عوض كانت غير واجبة على الموكل، وله أن يعزله قبل العمل وبعده.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الوكيل، فقيل: هو بالخيار بين التمادي أو الترك، وهو قول مالك، وإليه ذهب أبو الحسن علي بن القصار -رحمه الله- وغيره من البغداديين. [ ص: 4623 ]

                                                                                                                                                                                        وقيل: يلزمه ذلك ولا خيار له. فروى ابن نافع عن مالك في المبسوط أنه قال في رجل أبضع رجلا مالا ليبتاع له سلعة بعينها فاشتراها، وقال: لم أشترها لك، قال: يحلف إن اتهم، وليس عليه إلا ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في ثمانية أبي زيد: إن أشهد قبل أن يشتري أنه يشتريها لنفسه كانت له، وإن لم يشهد وادعى ذلك بعد الشراء لم يقبل قوله وكانت للآمر.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في الثمانية: لا يجوز له شراؤها لنفسه حتى يعلم الآمر أنه يشتريها لنفسه، فإن لم يعلمه لم ينفعه الإشهاد. فاتفق مالك وعبد الملك أن له أن يعزل نفسه، وأنه إن علم ذلك قبل الشراء كانت السلعة له.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يعلم ذلك إلا من قوله بعد الشراء، فقبل قوله مرة، لما كان له أن يعزل نفسه، وأشكل الأمر: هل هي للآمر أو المأمور فاستظهر في ذلك بيمينه، ولم يصدق في القول الآخر على القول باستصحاب الحال; لأنه مضى على أنه وكيل في شرائها، فحمل على ما مضى عليه حتى يعلم غيره.

                                                                                                                                                                                        وقول أصبغ أبين; لأن أخذه للمال ونقله إلى بلد آخر دليل على أنه التزم الشراء للآمر، ولو لم يقصد الالتزام لضمن المال إن هلك في مضيه أو رده; لأن رب المال لم يرض بنقله إلا ليشتري له به، فإذا كان نقله للمال دليلا على الالتزام، وكان الحكم في هبة الرقاب والمنافع سواء، يجبر على تسليم ما وهب- لم يصح عزله لنفسه والرجوع فيما وهب، ولو كانت الجارية معهما في البلد لكان الأمر أخف، وقد يكون قول الوكيل على جهة الوعد، وإذا أوجب ذلك لم يكن له الرجوع. [ ص: 4624 ]

                                                                                                                                                                                        ولا يلزم على هذا النكاح: إذا وكل رجل على أن يزوج امرأة فتزوجها فهي زوجة للوكيل، ولا مقال للآمر; لأن المرأة لها غرض فيمن تتزوجه ولا يلزمها أن تكون زوجة لمن لم ترض به، ولو وكل رجل على تزويج امرأة ففعل وأظهر أنه الزوج وأشهد في الباطن أن العقد للآمر- لم تكن زوجة للوكيل، وكانت الزوجة بالخيار بين أن ترضى أن تكون زوجة للآمر أو تفسخ النكاح.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية