الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما إذا اقتضى أحد دائنين دينه دون صاحبه من الغريم]

                                                                                                                                                                                        وإن كان لرجلين على رجل دين فاقتضى أحدهما نصيبه دون صاحبه، كان في اقتضائه على خمسة أوجه: فإما أن يقتضي حقه بإذن شريكه، أو بغير إذنه وقد لد عليه في الاقتضاء فأذن له السلطان، أو كان إذن السلطان له والشريك غائب، أو لم يرفع إلى السلطان وأعلم شريكه، أو اقتضى بغير علمه ولا إذن السلطان.

                                                                                                                                                                                        فإن اقتضى بإذن الشريك أو بإذن السلطان لغيبة الشريك أو لدده، لم يكن لشريكه عليه رجوع، وسواء بقي الغريم على اليسر أو افتقر أو غاب أو مات.

                                                                                                                                                                                        وإن اقتضى بغير إذنه إلا أنه أعلمه بأنه يقتضي وسأله أن يقتضي معه فأبى، لم يدخل معه فيما اقتضى بعد ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في شريكين في دين على غائب فطلب أحدهما صاحبه أن [ ص: 4682 ] يخرج معه للاقتضاء فأبى فخرج الآخر واقتضى، قال: إذا أعذر إليه فترك الخروج معه رضا لما يقتضي دونه، ألا ترى أنه لو رفعه إلى السلطان لأمره بالخروج فإن فعل وإلا خلى السلطان بينه وبين الاقتضاء.

                                                                                                                                                                                        وقوله: ذلك رضا، ليس بالبين; لأنه إنما لد عن الخروج ولم يرض. وقوله: إنه لو رفع إلى السلطان لم يفعل أكثر من ذلك، حسن.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الغريم حاضرا فاقتضى بغير علمه، فقال مالك وابن القاسم: يكون المقتضى بينه وبين شريكه إن شاء.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب السلم الثاني في رجلين أسلما إلى رجل في حنطة أو ثياب فاستقاله أحدهما، أو ولى حصته رجلا آخر، قال: لا بأس بذلك وإن لم يرض شريكه، وليس للشريك على شريكه حجة فيما قال.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: لا يقبل إلا بإذن شريكه; لأنه لا يجوز له أن يقتضي دون شريكه. قال: وكل دين كان بين رجلين اشتركا فيه بتراض منهما لم يصر لهما بميراث ولا من جناية، فليس لأحدهما أن يأخذ منه شيئا دون شريكه، فإن فعل دخل معه فيه. [ ص: 4683 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عبدوس: قلت له: فإن دخل عليه وشاركه فيما أخذ، كان قد أقال من بعض نصيبه فيصير بيعا وسلفا فتبطل الإقالة; فلا يجوز إلا برضا من صاحبه فيقيلانه جميعا. قال: فرأيته يفرق بين ما اشتركا فيه وما صار لهما بميراث أو بجناية; لأن هذا قد اشتركا فيه بالرضا منهما، والآخر لم يتراضيا بشركتهما فيه.

                                                                                                                                                                                        والذي أختاره من هذه الأقوال: أن يكون للشريك ما اقتضى ولا يكون لصاحبه أن يرجع عليه بشيء; لأنه في ذلك على أحد وجهين: إما أن يقدر أن الدين كالعين، أو كالعرض.

                                                                                                                                                                                        فإن قدرته كالعين، كان له أن يأخذ نصيبه منه; وهذا الخلاف راجع إلى الخلاف في العين يكون بين الشريكين فيقسم أحدهما لنفسه ويأخذ نصيبه بغير علم شريكه، فاختلف فيه، فأصل ابن القاسم في هذا أنه لا تصح قسمته وما أخذ فبينهما، وإن ضاق الباقي فهو بينهما.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: له أن يقسم لنفسه. وقد مضى الكلام على هذا في "كتاب الزكاة" هل يزكي الوصي نصيب الأصاغر قبل مقاسمة الأكابر؟ فإذا قلت: إنه ليس له أن يقسم العين لنفسه، كان ما اقتضاه بينه وبين شريكه، وسواء كان ذلك بشراء أو بميراث، وإذا قلت: له أن يقاسم لنفسه، كان ما اقتضى له دون شريكه في الوجهين جميعا، أعني: الشراء والميراث، إلا أن يكون للناس في الشراء عادة أنهما يدخلان على أنه لا يقتضي أحدهما دون صاحبه شيئا. [ ص: 4684 ]

                                                                                                                                                                                        والصواب: إذا كان الذي قبله الدين موسرا، أن يكون هذا ما اقتضى دون شريكه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية