الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ما إذا كان البذر من عند الشريكين]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان البذر من عندهما، هل من شرط الصحة أن يخلطاه قبل الحرث؟ وهل يجوز أن يخرج أحدهما القمح والآخر الشعير؟ وإن كان أحدهما يحرث في بلد والآخر في غيره؟ وإذا أسلف أحدهما الآخر نصيبه من الزريعة؟ فأجاز مالك وابن القاسم الشركة إذا أخرجا قمحا أو شعيرا وإن لم يخلطاه، وهو أيضا أصلهما في الشركة في العين: الدنانير والدراهم أنها جائزة وإن لم يخلطا.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن سحنون، فقال مرة بمثل قول مالك، وقال مرة: إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو جمعاها في بيت، أو حملاها إلى فدان وبذر كل واحد في طرفه، وزرع واحد ثم زرع الآخر، فهو كما لو جمعاها في بيت، وإلا لم تصح ويكون لكل واحد ما أنبت حبه.

                                                                                                                                                                                        ورأى أن ذلك مبايعة تحتاج إلى مناجزة وتقابض، والخلط كالقبض، وهو أصله في الشركة بالدنانير والدراهم ألا تصح إلا بالخلط. [ ص: 4818 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف قول مالك في الشركة بالطعامين إذا كان صفة واحدة، فمنع ذلك مرة ورأى أنها مبايعة. فعلى هذا لا تجوز الشركة في الحرث إلا أن يكون جميعه من عند صاحب الأرض. ويجوز على قوله أن الشركة جائزة إذا كان البذر من عندهما وتساويا فيما بعد ذلك. وتجوز الشركة إذا أخرج كل واحد منهما مائة دينار وعروضا والآخر مثله.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن سحنون إذا أخرج أحدهما قمحا والآخر شعيرا، فمنع ذلك مرة، وإن فعلا كان لكل واحد ما أنبتت زريعته، ثم رجع فأجاز ذلك إذا اعتدلت القيمة. يريد: والمكيلة.

                                                                                                                                                                                        ويجوز على هذا أن يخرج أحدهما قمحا والآخر قطنية ويجمعاهما في بيت; لأنه كالقبض.

                                                                                                                                                                                        قال سحنون: وإن أخرج أحدهما الأرض ومدي قمح ونصف مدي شعير، والآخر مدي قمح، والعمل على أن جميع الزرع بينهما، جاز إذا كان العمل مكافئا لكراء الأرض ولما أخرج ربها من الشعير. قال ابن حبيب: لأن الشعير ثمن لبعض العمل.

                                                                                                                                                                                        قال ابن سحنون: ولو أخرج صاحب القمح أكثر مما أخرجه صاحبه، لم يجز، ودخله قمح بشعير ليس يدا بيد، وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها، [ ص: 4819 ] ولو كان الشعير من عند صاحب العمل واعتدلا في القمح، لم يجز.

                                                                                                                                                                                        قال ابن حبيب: لا بأس أن يشتركا بصنفين من الطعام إذا اشتركا في كل صنف. يريد: أن يخرج هذا قفيز قمح وقفيز فول أو حمص، ويخرج الآخر مثله.

                                                                                                                                                                                        وهذا مثل قول مالك: إذا أخرج أحد الشريكين مائة دينار وألف درهم والآخر مثله. قال محمد بن سحنون: لو اشتركا على أن يزرعا بالريف ثم ذهبا إلى الشام فزرعا; جاز ذلك في قياس قول سحنون. ولو كان هذا يزرع بالفيوم ويخرج الآخر بذره فيزرعه بالشام، لم يجز.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية