الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من استأجر أجيرين فمرض أحدهما]

                                                                                                                                                                                        ومن استأجر رجلين يحفران له بئرا فمرض أحدهما وحفر الآخر، كان للصحيح نصف الإجارة، واختلف في نصف الإجارة، فقال ابن القاسم: هو للمريض، ويقال له: أرض صاحبك، فإن أبى لم يقض له بشيء. [ ص: 5002 ]

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: هو لصاحب البئر. فمحمل قول ابن القاسم على أن الإجارة كانت على الذمة، ومحمل قول سحنون على أنها على أعيانها، فإذا كانت على الذمة وحفر الصحيح في أول مرض صاحبه صح قول ابن القاسم أنه في حكم المتطوع; لأن المريض يقول: من الحق فيما بيني وبينك أن تصبر لأحفر معك، فإن حفر بعد أن طال المرض كان له أن يرجع على صاحبه بالأقل من إجارة مثله أو إجارة غيره ممن كان يعمل معه، فإن كانت إجارته أقل لم يكن له غير ذلك، وإن كانت إجارة غيره أقل لجودة صنعة الصحيح قال المريض: قد كان لي أن آتي بما هو دون صنعتك ولم يكن لرب البئر علي مقال إذا كان لا عيب علي فيها، ولا مقال لرب البئر عليهما في ذلك قرب المرض أو طال; لأن عمله مضمون، وإنما عمله فيما بين الأجيرين.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت الإجارة على أعيانهما لم يستحق المريض على صاحب البئر عن حفر صاحبه أجرة، وسواء حفره في أول المرض أو آخره.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف فيما بين صاحب البئر وبين الصحيح هل يستحق قبله أجرة على ذلك العمل؟ وفيما بينه وبين المريض هل ينفسخ العقد أو يستعمله في موضع آخر؟ وفيما بين الأجيرين هل يغرم الصحيح للمريض أجرته؟ فأما فيما بين رب البئر [ ص: 5003 ] والصحيح، فقال سحنون: لا شيء له عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في "كتاب ابن حبيب" في من خاط ثوب رجل أو حصد زرعه أو سقى شجره ولم يستأجره، ثم طلب أجره، فإن كان الذي عمل له لا بد له من الاستئجار عليه كان له أجره؛ فقد كان هذا محتاجا إلى ذلك ومستأجرا عليه، فيكون له على قوله إجارته.

                                                                                                                                                                                        وأما فيما بين رب البئر والمريض فإن كان خلف ذلك لا يتعذر أخلف له موضعا يحفر له مثله; لأن المستأجر له لا يتعين، وإن كان يتعذر خلفه انفسخ العقد فيما بينهما، ثم يعود المقال فيما بين الأجيرين: فإن حفر الصحيح بعد طول المرض لم يكن للمريض على صاحبه مقال; لأنه لم يكن عليه الصبر ليصح، وإن كان حفره في أول المرض كان للمريض أن يغرمه المسمى، وللصحيح أن يؤاجره أو يستعمله في مثل ذلك العمل.

                                                                                                                                                                                        وهو بمنزلة من باع سلعة فحال رجل بين البائع وبين دفعها وقبض الثمن حتى غاب المشتري أو افتقر أو أشهد أنه أقاله منها، ثم رجع عن الشهادة فإن للبائع في جميع ذلك أن يرجع بالثمن على من أبطله عليه ويسلم إليه المبيع، وإن [ ص: 5004 ] أحب ترك القيام وبقيت منافعه له.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية