الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الدعوى في الكراء وإذا اختلفا في قدر الكراء أو في جنسه أو ادعى الساكن أنه سكن باطلا

                                                                                                                                                                                        قال: وإذا قال المكتري: اكتريت بهذا العبد. وقال الآخر: بهذا الثوب، تحالفا وتفاسخا، وعلى المكتري إن كان سكن شيئا كراء المثل، والعبد والثوب للمكتري. وكذلك إذا قال صاحب الدار: أكريتك بمائة دينار. وقال المكتري: بمائة إردب قمحا، أنهما يتحالفان ويتفاسخان وعليه فيما سكن كراء المثل.

                                                                                                                                                                                        وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في الكتاب; لأنه قال: وهو بمنزلة ما لو قال هذا بمائة وهذا بعشرة وأتيا بما لا يشبه، أنهما يتحالفان ويتفاسخان، وعليه من الكراء قيمة ما سكن. قال: وهو بمنزلة الاختلاف في السلعتين.

                                                                                                                                                                                        يريد: ما لو قال: هذا بعبد وهذا بثوب، فقال: هو بمنزلة إذا أتيا بما لا يشبه، وهذا عمدته في الجواب، وإذا أتيا بما لا يشبه، رجع إلى كراء المثل فلم [ ص: 5074 ] يقبل قول الساكن؛ لأن الشأن العين. فقوله: (بقمح) قد أتى فيه بما لم يشبه، ولم يقبل قول صاحب الدار في المسمى; لأن الساكن أتى بما لا يشبه بالقدر من العين، وإنما كتم أن يكون الكراء بالعين.

                                                                                                                                                                                        ولو قال الساكن: بمائة دينار. وقال صاحب الدار: بمائة إردب قمحا، كان القول قول الساكن مع يمينه إذا أتى بما يشبه في القدر، بخلاف المسألة الأولى; لأنه الغارم وقد أتى بما يشبه في الجنس والقدر، وفي المسألة الأولى أتى بما لا يشبه في الجنس وكتم القدر.

                                                                                                                                                                                        ولو اتفقا أن الكراء بعين واختلفا في قدره فقال الساكن: خمسون. وقال الآخر: مائة، فإن اختلفا قبل السكنى تحالفا وتفاسخا، وإن كان بعد مضي السنة كان القول قول الساكن مع يمينه إذا أتى بما يشبه وإن اختلفا بعد مضي ستة أشهر، كان القول قول الساكن في الماضي وتحالفا وتفاسخا في الباقي، وهذا إذا لم يكن نقد، فإن نقد خمسين دينارا واختلفا قبل السكنى، تحالفا وتفاسخا على قول ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        وإن كان قد نقد خمسين واختلفا وقد مضت السنة، كان القول قول الساكن مع يمينه أنه لم يبق عنده شيء، وأن كراه كان بخمسين، وإن مضت سته أشهر كان القول قول الساكن مع يمينه في الماضي، ويختلف في الباقي، فقيل تلك المدة التي مضت طول في النقد فالقول قول صاحب [ ص: 5075 ] الدار مع يمينه ويسكن الآخر نصف المسكن، إلا أن يقوم بعيب الشركة فيرد. وقيل: الطول ليس بفوت، فيتحالفان في الباقي ويتفاسخان. وقد مضى وجه ذلك في كتاب السلم الثاني.

                                                                                                                                                                                        وإن اتفقا في الكراء بقمح أو غيره مما يكال أو يوزن واختلفا في قدره، كان بمنزلة اتفاقهما في العين واختلافهما في قدره. وإن اختلفا في المدة، فقال أحدهما: مشاهرة. وقال الآخر: بالسنة. كان القول قول من ادعى المشاهرة إذا كانت تلك العادة أو كانت العادة مختلفة، وإن كانت العادة السنة خاصة، كان القول قول من ادعاها من مكر أو مكتر، والديار والفنادق والحوانيت في ذلك سواء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية