الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: [فيما إذا أكل العامل خمسين وتجر في خمسين فصارت مائة وخمسين]

                                                                                                                                                                                        وإن أكل العامل خمسين، وتجر في خمسين، فصارت مائة وخمسين، كان لرب المال رأس ماله -مائة- وكان ربح ماله مائة: هذه الخمسون الحاضرة والخمسون التي أكل، فللعامل من هذه نصفها، وفي ذمته لصاحب المال [ ص: 5256 ] مثلها، فإن لم يكن على العامل غرماء كان لصاحب المال أن يأخذ هذه الخمسين، وإن كان عليه غرماء كان له نصيبه منها، وهي خمسة وعشرون، وكان نصيب العامل -وهو خمسة وعشرون- بين جميع غرمائه، ويضرب رب المال معهم بالخمسة والعشرين التي له في ذمته.

                                                                                                                                                                                        وقد قال بعض أهل العلم: يكون رأس المال الخمسين، ونصيب العامل منها خمسون، يضرب فيها غرماؤه ويضرب صاحب المال فيها بالخمسين التي في ذمة العامل، قال: مثل قول غير ابن القاسم إن أكل العامل بعض رأس المال ثم دفعه إلى عامل آخر فلا يكون رأس المال على الثاني إلا ما قبض، ويتبع رب المال العامل الأول بما أكل، وليس كذلك; لأنه لا خلاف أنه لو غصب من المال خمسين وتجر العامل في خمسين فصارت مائة أن لصاحب المال أن يأخذها ولا ربح للعامل; لأن من شرط القراض ألا شيء للعامل إلا بعد حصول رأس المال، فكيف يكون لغرمائه حق في موضع لو لم يكن لهم دين- لم يكن للعامل فيه ربح، وليس كذلك إذا دفع المال لغيره فلا يحسب من رأس المال على الثاني إلا ما أخذ; لأن الثاني لو غصب ذلك المال مع علمه أنه في يد الأول قراض وتجر فيه لنفسه، لكان ما ربح له دون رب المال ودون العامل الأول; لأن الأول عقد على نفسه لصاحب المال ليتجر فيه له وجب [ ص: 5257 ] أن يجري على أحكام القراض، وألا ربح له إلا بعد حصول رأس المال، والآخر لم يعاقد ربه فيه على شيء، فإذا صح أن يكون له جميع الربح ولو تجر فيه لنفسه لم يكن عليه من رأس المال إلا ما أخذه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: ولا ربح للخمسين التي أكل. وقد قيل في مثل هذا: إن لها ربحا، وقد تقدم ذلك في "كتاب الغصب" إلا أن يكون لم يربح في الخمسين التي عمل فيها فلا يكون عليه شيء، وإن ربح في التي عمل بها كان عليه في التي أكل مثل ما ربح في هذه، وإن لم يكن أكل تلك الخمسين وتجر فيها، كان عليه على قول ابن القاسم ما ربح فيها; قل أو كثر، وعلى القول الآخر يكون عليه الأكثر مما ربح فيها أو ما ربح في التي عمل فيها لرب المال، فإن كان ربحه فيها أكثر- كان لرب المال; لأنه مال أخذه على تنميته لربه وربحه لصاحبه. فإن كان ربحه في التي تجر فيها على القراض أكثر كان له أن يأخذه بمثله; لأنه أخدمه ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: إذا كان القراض ألفا فاشترى عبدا قيمته ألفان، فجنى عليه رب المال جناية نقصته ألفا وخمس مائة، ثم تجر في الخمس مائة، فربح أو خسر أن ذلك على القراض، ولا يكون ما فعله السيد اقتضاء ولا مفاصلة، [ ص: 5258 ] فإن كان على رب المال غرم حمل رأس المال على ما هو موجود وعلى ما في الذمة، ثم يكون للعامل ما ينوبه من الربح الحاضر، ويضرب مع الغرماء بما ينوبه من ربح ما في الذمة في الباقي من الحاضر وغيره.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية