الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في حكم القاضي لنفسه ولزوجته ولولده، ولغيرهم من الأقارب وهل يقضي بعلمه؟

                                                                                                                                                                                        قال محمد: كل من لا تجوز الشهادة له، لا يجوز أن يحكم له، وقاله مطرف في كتاب ابن حبيب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: لا يجوز لثلاث: الزوجة وابنه الصغير ويتيمه، ويجوز للآباء والأبناء الكبار.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ مثل قول مطرف. قال أصبغ: وأما من سواهم، فإن حضر الشهود وكانت الشهادة الظاهرة بحق ظاهر جاز، ما عدا زوجته وولده الصغير ويتيمه الذي يلي ماله; لأن هؤلاء كنفسه، وإن لم يكن إلا قوله: ثبت عندي وشبهه- لم يجز.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ أيضا -في كتابه-: يجوز حكمه لكل من ذكر من زوجة أو ولد أو أخ أو مدبر أو مكاتب، ولمن يلي عليه، وهذا إذا صح الحكم وكان من أهل القيام بالحق وليس من أهل التهم، وقد يحكم للخليفة وهو فوقه وهو يتهم فيه لتوليته إياه. [ ص: 5343 ]

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن، أن لا يجوز حكمه لأحد من هؤلاء; لأن الظنة تلحق في ذلك، ولا فرق بين الشهادة والحكم. وإن كانت القضية بغير مال، وكانت مما يتضمن أن تدرك فيه الحمية، أو ترفع به المعرة لم يجز بحال.

                                                                                                                                                                                        وإذا لم يجز أن يحكم لأحد ممن ذكرنا، لم يجز أن تدفع الشهادة بما اعترف عنده لمن هو فوقه. وإن كان مما تجوز فيه شهادته رفع إلى من هو فوقه، فالناظر يرفع إلى القاضي، والقاضي يرفع إلى الأمير إذا كان عدلا.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يرفع ذلك لمن هو دونه في ولايته، كالقاضي يرفع إلى ناظره، والأمير يرفع إلى قاضيه. فقيل: لا يجوز. وهو أصل قول مالك في المدونة. وقيل: يجوز.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: لا ينبغي أن يحكم إن طلب بحق، أو طلب هو حقا أو أحد من عشيرته، أن يحكم من دونه وإن رضي الخصم، بخلاف رجلين رضيا بحكم أجنبي.

                                                                                                                                                                                        واستشهد من أجاز ذلك بحكم عمر أنه حكم في خصومة كانت له، ولا أرى أن يقتدي بهذا، وليس حال الناس اليوم في الصلابة في الحق والغضب لله والرضى له كحال من تقدم. [ ص: 5344 ]

                                                                                                                                                                                        وقد قال مالك: تحدث للناس أقضية، بقدر ما أحدثوا من الفجور.

                                                                                                                                                                                        وأيضا فليس تحكيمه لمن ولاه النظر بين الناس، كتحكيمه لمن لم يوله; لأن الأول يتقي أن يعزله.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية