الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في شهادة الأجير لمن استأجره، والغريم لمن له عليه دين والخصم والعدو على عدوه أو ولده

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة الأجير لمن استأجره، إلا أن يكون مبرزا، وإن كان في عياله لم تجز. وقال سحنون: من ليس في عياله هم الصناع. وأما الذي يصير عمله للذي استأجره، فلا تجوز شهادته له وإن لم يكن في عياله، وإن دفع إليه أجرته.

                                                                                                                                                                                        وظاهر قول ابن القاسم: إن المنع إذا كان في نفقته، كانت النفقة بالطوع أو من الإجارة، والظنة تتعلق بالوجهين جميعا، إذا كان في نفقته أو منقطعا إليه; لأنه يخشى إن لم يشهد له أن يصرفه، وكذلك الأجير المشترك: القصار والطراز، يشهد لمن شأنه التجر بذلك; لأنه يتهم في شهادته له أن يخصه بأعماله.

                                                                                                                                                                                        وتجوز شهادة المستأجر للأجير; لأنه هو المتفضل عليه، إلا أن يكون أجيرا مرغوبا في عمله ومن يتشاح فيه، وتجوز شهادة الغريم للطالب، والطالب [ ص: 5397 ] للغريم إذا كان الغريم موسرا، وسواء شهد بمال أو عرض، ولا تجوز شهادة الغريم إذا كان معسرا للطالب بمال ولا بعرض ولا غيره; لأنه يتهم أن يشهد لينظره أو يرفق به.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: لأنه صار كأسيره، ولا تجوز شهادة الطالب له بمال، وتجوز بغير مال بعرض أو غيره. وإن كان الغريم موسرا، إلا أنه ملد مطول، لم تجز شهادة الطالب له بمال ولا غيره، إلا أن يكون الدين يسيرا، وكل هؤلاء فلقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، ولا جار لنفسه، ولا دافع عنها". فشهادة الخصم والعدو غير جائزة فكذلك المتاجران.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اصطلحا فقال محمد: الشهادة جائزة. وقال مطرف وابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: إن كانت الشهادة بحدثان الصلح لم تجز، وإن طال وامتحن صلحهما، وظهرت براءتهما من دخل العداوة والخصومة، جازت الشهادة. وقال ابن كنانة: في الهجرة إن كانت خفيفة عن أمر خفيف جازت. وهذا يحسن في المبرز. [ ص: 5398 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: إن سلم عليه ولم يكلمه لم تجز الشهادة. وقال سحنون -في كتاب ابنه-: إن كانت العداوة غضبا لله لجرمه وفسقه فالشهادة جائزة، وذلك أنا نشهد على أهل البدع والملل. وهذا أحسن إذا لم يعلم من الآخر منهما عند مهاجرته مقابحة بقول أو فعل.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -في أربعة أتوا متعلقين برجل، فشهدوا عليه بالزنا-: لم تجز شهادتهم عليه؛ لأنهم خصماؤه، وفي كتاب ابن حبيب: الشهادة جائزة. وهو أحسن؛ لأن أصل المنازعة من سبب الدين. وقال ابن سحنون عن أبيه -فيمن شهد على رجل، ثم شهد المشهود عليه على الشاهد بعد ذلك بشهرين-: ترد شهادته. وقال أصبغ فيمن شهد على رجل حاضر، فلما أتم الشهادة قال للمشهود عليه والقاضي يسمع: إنك تشتمني وتشبهني بالمجانين-: لا تطرح شهادته إلا أن تتبين العداوة من قبل. وطرحها أحسن; لأن الشاهد مقر بتقدم ما يوجب العداوة والشحناء، إلا أن يكون [ ص: 5399 ] مبرزا في حاله، بعيد التغير عند الأداء، فذلك أخف.

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن كانت عنده شهادة، وكان يذكرها ثم عاداه، واحتيج إلى القيام بها وقبولها، ها هنا أخف إذا كانت قد قيدت.

                                                                                                                                                                                        واختلف في شهادة الرجل على ابن عدوه بمال أو بما لا يلحق الأب منه معرة، فأجازها محمد وإن كان الأب حيا والابن في ولاء أبيه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون: لا ترد إذا لم يكن في ولائه، وقال أيضا: لا تجوز بمال إذا كان الأب حيا. وبمال إذا لم يكن الأب حيا، يريد وإن كان رشيدا، قال: فإن شهد بعد موته بمال على الصبي جازت، وإن شهد بمال على الأب لم تجز، وإن كان المال صار للولد. وقال ابن القاسم: لا تجوز إذا كان عدو الأب على الصبي، ويشهد بعد موته ولو كان مثل ابن أبي شريح وسليمان بن القاسم.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا إذا شهد على صبي في ولاء عدو الشاهد، فأجازه ابن القاسم، ومنعه مطرف وابن الماجشون; لأنه يخرج ما في يدي ولي الصبي. [ ص: 5400 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية