الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في دعوى عبد في يدي رجل]

                                                                                                                                                                                        وإن ادعى عبدا في يدي رجل، وقال أبق مني، فإن كانا من بلد واحد كلف أن يأتي بلطخ أنه ملكه; لأن ملك ذلك لا يخفى على جيرانه وأهل سوقه، وإن كان أحدهما طارئا لم يحلف أحدهما للآخر; لأنه إن ادعى الطارئ على المقيم، قال المقيم المدعى عليه: أنت لا تدعي علي معرفة ذلك؛ لأني لست من بلدك، ويجوز أن تكون صادقا، وكذلك إن ادعى المقيم عبدا أتى به طارئ لم يحلفه; لأنه لا علم عنده هل هو ملكه أم لا؟ فإن أقام شاهدا أنه عبده حلف معه، فإن نكل لم يرد اليمين; لأن الآخر لا علم عنده، فلا يحلف على تكذيب الشاهد.

                                                                                                                                                                                        وإن أراد المدعي وقف العبد ليثبت ملكه فيما قرب، كاليوم وشبهه وقف له، فإن أتى بلطخ بسماع أو شاهد عدل، على أنه له أو أنه أبق له عبد، [ ص: 5486 ] كان الواقف أوسع من ذلك الشهر ونحوه.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره يوقف الخمسة أيام والجمعة، فإذا مضى الأجل ولم يأت تلوم له، فإن لم يأت سلم العبد إلى من كان بيده، بعد يمينه إذا أشبه أن يكون عنده من ذلك علم، وإن لم يكونا من بلد واحد، أسلم إليه من غير يمين، فإن أتى بعد ذلك بشاهد وكان أوقف بسماع، أحلف مع هذا واستحق، فإن نكل لم يكن له أن يرد اليمين; لأن المدعى عليه لا علم عنده من ذلك، من صدق الشاهد ولا من كذبه، وإن كان الوقف بشاهد ولم يأت بشيء، فإن كان قدم له عند الوقف، إن قال: إن لم آت بشيء حلفت، كان له أن يحلف مع الشاهد، فإن قال: إن لم أجد شاهدا آخر حلفتك أجزأ يمين السلطان. فإن أتى بشاهد ضمه إلى الأول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أراد أن يوقف القيمة ليمضي به إلى بلده فيثبت ملكه فيه. فقال ابن القاسم: ذلك له. وقال سحنون: لا يدفع إليه العبد، وإن أقام شاهدا ثم قال: وعلى من يقيم البينة، والمدعى عليه مقيم. وإن رفعا جميعا إلى ذلك البلد كان خطأ. والمسألة يحسن فيها الخلاف، ويتخرج فيها القولان; لأن من حق المدعى عليه أن يعلم البينة، وينظر في تجريحها، وهذا لا يقدر عليه إلا [ ص: 5487 ] أن يخرج، ومن حق المدعي أن لا يبطل حقه، وهو يقول عندي بينة تشهد به، وإشخاصها يتعذر، فكان وضع قيمته لتغليب أحد الضررين أقرب.

                                                                                                                                                                                        واختلف في النفقة على العبد في حال الوقف، ولمن غلته إن ثبت الاستحقاق، وفي مصيبته إن هلك.

                                                                                                                                                                                        فقال مالك -في المدونة-: نفقته على من يقضى له به، وغلته لمن هو في يديه; لأنه إن هلك كان في ضمانه. وقال ابن القاسم -في العتبية-: نفقته الآن عليهما، فمن قضي له به رجع على صاحبه بتمام النفقة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في العتبية-: إن هلك في الوقف ثم ثبت للمستحق كانت مصيبته منه، وقاله ابن القاسم، قال: إلا أن تكون جارية والمشتري مقر بالوطء، وأنه لم يستبرئ فتكون المصيبة من المشتري، ولا يرجع بالثمن. وعلى قول مالك هذا أن المصيبة من المستحق، إن ثبت له تكون الغلة له. وقال سحنون: المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمستحق.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن المصيبة من المستحق; لأن المشتري يقول، أخرجته من يدي وحلت بيني وبينه، فإذا ثبت لك كانت المصيبة منك، وإذا كانت المصيبة منه كانت الغلة له بالضمان، وقد قال بعض أهل العلم في الغلة التي كانت قبل الاستحقاق: إنها للمستحق وهو ها هنا أبين. [ ص: 5488 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية