الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حبس الغريم إلى أن يثبت فقره، ثم يأتي بحميل ليسعى في منافعه]

                                                                                                                                                                                        وإذا حبس الغريم في دين حتى يثبت فقره ثم أتى بحميل ليسعى في منافعه كان ذلك له عند ابن القاسم ولم يسجن . ومنعه سحنون ، والأول أحسن، إلا أن يكون معروفا باللدد فلا يقبل منه حميل؛ لأن السجن أقرب لاستخراج الحق من أمثاله، فإن قبل الحميل وغاب المتحمل له فأثبت الحميل فقر الغريم برئ من الحمالة؛ لأن اليمين بعد ثبات الفقر أنه لم يكتم شيئا استحسان واستظهار، إلا أن يكون ممن يظن به أنه كتم وممن لو لم يغب [ ص: 5547 ] ونكل عن اليمين لم يصرح .

                                                                                                                                                                                        واختلف في صفة السجن، فقال سحنون: إذا سجن في دين زوجته أو غيرها فأرادت زوجته أن تدخل إليه لتبيت معه لم تمكن من ذلك؛ لأن المراد من سجنه التضييق عليه . وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أراد الطالب أن يفرق بين الغريم وزوجته وطلب الزوجان أن يجتمعا فذلك لهما إذا كان السجن خاليا . وهذا أحسن فيمن أشكل أمره هل هو في معنى اللدد أم لا؟ فأما من علم منه اللدد، فالقول الأول أحسن، وكذلك من ثبت فقره، وعرف بأكل أموال الناس فإنه يسجن، ويضيق عليه أدبا له ويمنع منه ولده، ومن يعز عليه.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: ولا يخرج المحبوس للجمعة ولا للعيدين واستحسن إذا اشتد مرض أبويه أن يخرج يسلم عليهما، ويؤخذ كفيل بوجهه، ولا يفعل ذلك في غيرهما من القرابات، ولا يخرج لحجة الإسلام، وإن كان أحرم بحجة الإسلام أو بعمرة أو بنذر أو حنث ثم قيم عليه بالدين حبس، وبقي على إحرامه، قال: وإن وجب عليه الدين يوم نزوله بمكة أو بمنى أو بعرفة، استحب أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج، ثم يحبس بعد النفر الأول، ولا يخرج ليغير على عدو ولا لمرض إلا أن يذهب عقله فإن [ ص: 5548 ] عاد عقله رد، وإن اشتد مرضه، واحتاج إلى أمة تباشر ذلك منه، فلا بأس أن تجعل معه حيث يجوز .

                                                                                                                                                                                        وقوله: في الجمعة يصح على القول أنها على الكفاية، وأما الأمة فإنها تباع للغرماء، إلا أن ينزل به ذلك قبل البيع فتكون ضرورة لحاجته لمن يقوم به ممن يتكشف إليها فلا تباع.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية