الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن استقرض رجلا دراهم فأمره أن يقبضها من غريمه فصارفه فيها أو قاصه بها من دين له عليه أو أمر رجلا يقضي عنه دراهم فقبض عنها الغريم دنانير أو عروضا

                                                                                                                                                                                        ومن استقرض رجلا دراهم فأمر غريمه أن يدفعها إليه فصارفه المستقرض فيها، جاز، ولا خلاف في ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف بم يرجع به المقرض؟ فقال ابن القاسم: يرجع بما أمر، قال: وقد اختلف قول مالك فيها ، وقال في كتاب محمد: اختلف قول مالك فيها ثلاث مرات فقال مرة: يرجع بالدراهم ، وقال مرة: بالدنانير، وقال مرة: هو بالخيار.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: وأما قوله: أنه يرجع بالذهب، فهو راجع إلى قوله هو بالخيار؛ لأنه لا يصلح أن يأمره بقبض دراهم فيصرفها من غير وكالة من الآمر ويلزم الآمر فعله، والقول الأول أنه يرجع بالدراهم أحسن؛ لأن المصارفة كانت برضا من المستقرض. [ ص: 5578 ]

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولو أراد المقرض أن يمنعه من بيعها لم يكن ذلك له ؛ لأنه بيع حادث.

                                                                                                                                                                                        ويختلف لو أخذ عنها عرضا أو شيئا مما يكال أو يوزن حسب ما تقدم، والصواب أنه بيع حادث، ولا يرجع إلا بما أمر به.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن استقرض رجلا خمسة دنانير، فأمر غريما له عليه خمسة دنانير أن يعطيه إياها، فقاصه بها الغريم من دين له عليه جاز ، ولا يختلف في ذلك؛ لأنها دنانير كلها وسكة واحدة، ولو قاص بها من دراهم كانت له عليه أو عرض لرجل لدخل الخلاف المتقدم، وقال ابن القاسم: لو أمرت رجلا ينقد عني رجلا ألف درهم فباعه بها جارية أو عرضا أو شيئا مما يكال أو يوزن من غير العين؛ جاز، ويرجع بالألف الدرهم .

                                                                                                                                                                                        قال سحنون: وقد ذكر عن مالك فيها اختلاف أنه لا يربح في السلف ، والأول أبين؛ لأنها مبايعة حادثة من المستقرض، وإنما يدخله السلف بزيادة إذا دفع ألفا ورجع بأكثر، وأما إذا دفع من غير الجنس فلا يدخله ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أمره أن يدفع عنه نصف دينار فدفع دينارا أو دراهم أو عروضا فقال مالك في كتاب محمد: فيمن قال لرجل: اقض عني نصف دينار فدفع دينارا أنه إذا دفع عنه غير الدراهم ما كان من طعام أو غيره فله بذلك [ ص: 5579 ] نصف دينار على الآمر ما بلغ، وإن دفع دراهم كان الآمر بالخيار إن شاء أعطاه دراهم وإن شاء أعطاه نصف دينار .

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: إن دفع طعاما أو ثوبا فإنه يكون له على الآمر ثمن ذلك دراهم، وإن دفع دراهم كان بالخيار إن شاء دفع مثل عدد ما دفعه عنه، وإن شاء دفع نصف دينار صرف اليوم يوم دفع . قال ابن القاسم: ثم رجع عن قوله بالخيار قال: بل يدفع إليه مثل وزن ما دفع .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: ولو دفع الأمور دينارا فأخذ الغريم نصفه ورد على المأمور نصفه كان للمأمور على الآمر نصف دينار ما بلغ ، وقال ابن القاسم: إذا أمره أن يدفع عنه نصف دينار فليس يقع إلا على الدراهم، ولا يكون للمأمور على الآمر إلا عدد ما دفع عنه من الدراهم إن دفع عنه الدراهم .

                                                                                                                                                                                        ويلزم على قوله إن دفع دينارا فأخذ الغريم نصفه ورد نصفه أن يكون الآمر بالخيار بين أن يدفع إليه نصف دينار دراهم بصرف يوم القضاء. ولهذا قال ابن القاسم: ليس يقع إلا على الدراهم ؛ لأن الغريم وهو الآمر لم يكن [ ص: 5580 ] يجير على أن يقضي يوم حل عليه الدين إلا دراهم يصرف يوم القضاء، وإما إن دفع عرضا أو طعاما، فإنه بيع حادث ويرجع بدراهم على صرفها من نصف دينار من يوم كان القضاء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية