الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في موت حميل الوجه]

                                                                                                                                                                                        وإذا مات حميل الوجه بعد الأجل قيل لورثته: إن أحضرتم الغريم موسرا أو معسرا برئتم، وإن لم تحضروه أخذ من تركة ميتكم ما على الغريم إلا أن تثبتوا فقره.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن مات قبل الأجل فأحضر الغريم أحد ورثته برئ الميت، وإلا لزمه ما يلزم من ضمان المال، والصواب ألا يبرأ الميت بإحضار الغريم قبل الأجل؛ لأن الطالب لم يتسلط له عليه حينئذ حق ولا ينتفع بإحضاره، ومن حقه أن يحضر له في الوقت الذي شرط، ويوقف من تركة الميت الآن بقدر الدين إلا أن يكون الورثة مأمونين فيوقف في ذمتهم، وأما إذا كانت الحمالة بالمال فمات الغريم قبل الأجل حل الدين وأخذ من تركته، وإن لم يوجد له شيء لم يغرم الحميل إلا بعد محل الأجل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في حميل المال يموت قبل الأجل على ثلاثة أقسام، فقال مالك في المدونة: لصاحب الحق أن يأخذ ذلك من تركته الآن .

                                                                                                                                                                                        قال في المبسوط: ولو خلف رباعا وقال ورثته: هذا دينك في رباع الميت، لم [ ص: 5622 ] يكن ذلك لهم، وقال أيضا: يوقف ذلك من ماله إلى الأجل فإن كان من ماله عند الغريم وفاء وإلا دفع ذلك إلى صاحب الحق.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع: إن كان ماله مأمونا واسعا لم يكن على الورثة شيء حتى يحل الأجل، وإن لم يكن مأمونا وخيف عليه التلف قبل الأجل أخذ من ماله ودفع إلى صاحب الحق.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب محمد: يوقف من تركة الميت إلى محل الأجل ، مثل أحد أقوال مالك، وهذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف المتقدم هل يبدأ بالحميل مع يسر الغريم؟ فعلى قولهم: إن ذلك له، يصح أن يؤخذ الدين من تركته معجلا وهو كغريم ثان ، وعلى قوله: ألا طلب عليه إلا عند عدم الغريم أو تعذر الأخذ منه لا يتعجل ذلك من تركته؛ لأنه لم يثبت عليه دين فيحل بموته وإنما عليه حمالة أمرها مترقب هل يلزمه غرم أم لا؟

                                                                                                                                                                                        فإن كان المتحمل به موسرا كان المطلوب غيره وإن كان فقيرا فحينئذ يتوجه عليه الطلب، فإن كانت التركة مأمونة والورثة مأمونين سلم ذلك إليهم، وإلا لم يسلم ثم يرجع القول إذا لم يسلم إلى الورثة هل تعجيله أفضل؛ لأن وقفه يترقب فيه الضياع أو وقفه والوقف أحسن؛ لأن الورثة يقولون التلف نادر ولم يتوجه القبض. وإن كان الدين عرضا أو شيئا مما يكال أو يوزن ويرجى صلاحه عند الأجل لم يتعجل، وإن مات الغريم والطالب وارثه وخلف وفاء سقطت الحمالة وإلا غرم الحميل، وإن كانت حوالة بدين كانت للميت عليه لم تسقط، مات الحميل موسرا أو معسرا. [ ص: 5623 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية