الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن تصدق أو حبس على بنيه وهم صغار أو كبار فيحوز بعض ذلك

                                                                                                                                                                                        وإذا تصدق أو حبس على صغار بنيه بدار أو دور ثم سكن بعض ذلك فإن سكن النصف وحاز النصف، بطل ما سكن وصح ما لم يسكن، وإن سكن اليسير صح الجميع، وإن سكن الكثير بطل الجميع وهذا مذهب ابن القاسم وأشهب فأما الأكثر فلا خلاف فيه فإنه يمضي إن حيز ويبطل إن لم يحز .

                                                                                                                                                                                        واختلف في القليل في أربعة مواضع: إذا سكن الكثير من الصدقة أو الحبس وكان الأقل محوزا بيد غيره، أو سكن القليل من الصدقة والأكثر بيده، أو كانوا كبارا فسكن القليل وحازوا الكثير وهل الدور كالدار في مراعاة القليل والكثير، أو تراعى كل دار في نفسها.

                                                                                                                                                                                        فقال محمد: قال ابن القاسم وأشهب في الحبس إن سكن القليل جاز جميعه فإن سكن الأكثر بطل جميعه قال وسواء عندهما حاز ما بقي هو بنفسه أو حازه غيره .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك: إن حاز البعض صح ذلك البعض، وإن قل وإن سكن القليل والباقي محوز بيد غيره بطل ما سكن، قال: وإنما يترك سكنى العامل في الحبس لأجل حيازة ما لم يسكن بحسن نظره وتعاهده وإصلاحه وحفظه وذلك إنما إذا كانوا صغارا كلهم ، وأما الصدقة فإن سكن البعض ليحوز ما [ ص: 5747 ] بقي بطل ما سكن وإن قل فجعل الأتباع مراعاة في نفسها فتصح إن حيزت وتبطل إن لم تحز إلا في القليل من الحبس فإنه في معنى الأكثر لقيامه .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: إذا كانوا كبارا فقبضوا لأنفسهم وسكن البعض بطل ما سكن ، يريد: وإن قل وهذا مثل قول عبد الملك إنه إنما يعفى عن سكناه القليل لأجل قيامه بالكثير والكبار بها هنا حازوا لأنفسهم ولم أر خلافا في الكبار إذا حازوا القليل أنه يصح ويلزم على قول ابن القاسم وأشهب إذا حاز القليل الصغار أو حوزوه أجنبيا أن يبطل ما حازه الكبار إذا كان قليلا.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: إذا كانت دورا فسكن دارا منها كبرت أو صغرت أو استغلها أو جلها فهي باطلة ويصح غيرها أقل أو أكثر مما حازه للصغار أو حازه الكبار؛ لأن كل دار تصير كحبس على حدة وأما دار واحدة ذات منازل فإذا سكن منها يسيرا جازت كلها وإن سكن أكثرها أو استغلها جاز باقيها إذا حازه أو حوزه .

                                                                                                                                                                                        قال: ويتفق هذا في الصغار والكبار وإن كانوا صغارا أو كبارا فإن حاز الكبار الأكثر صح الجميع على مذهب ابن القاسم ولا يصح على قول عبد الملك ما لم يحز وإن حازوا القليل صح نصيبهم منه وبطل نصيب الصغار وعلى قول عبد الملك يصح نصيب الصغار؛ لأنه محوز عن الأب بطل ما سكنه الأب في جميع هذه الوجوه؛ لأنه الأكثر وإن سكن الأب بعضا وحاز بعضا وحاز [ ص: 5748 ] الكبار بعضا وكل ذلك قريب من السواء صح نصيب الصغار من جميع الصدقة على قول ابن القاسم؛ لأنه سكن أقل عطيتهم والأكثر محوز لهم بيده وبيد الكبار لم يصح من نصيب الكبار إلا ما حازوه لأنفسهم وبطل ما في يد الأب؛ لأنه الأكثر من صدقتهم وهو لا يصح أن يحوز لهم بخلاف الصغار. [ ص: 5749 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية