الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن غصب عبدا ثم وهبه أو أعتقه المشتري أو الموهوب له

                                                                                                                                                                                        ومن غصب عبدا ثم وهبه فوجده المغصوب منه وهو قائم العين لم يكن له إلا أخذه ويرد الهبة، وإن نقص سوقه عند الغاصب كان له أن يأخذه بأعلى القيم إذا كان عبدا للتجارة وتمضي الهبة .

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا ارتفع سوقه عند الموهوب له ثم نقص هل يغرم ذلك الغاصب؟ وقد قال ابن الماجشون: يغرم الغاصب ما اغتله المشتري .

                                                                                                                                                                                        يريد: لأنه حرمه ذلك. ولو غصب رجل عبدا وقيمته مائة ثم ارتفعت قيمته فبلغت مائة وثلاثين، ثم حطت إلى مائة وعشرين فباعه بمائة وعشرة ثم مات وقيمته مائة وأربعون، كان للمغصوب منه على قول ابن القاسم في المدونة: الثمن وهو مائة وعشرة لا غير ذلك ؛ لأنه أكثر من القيمة يوم الغصب.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله في الدمياطية: له أن يأخذ منه مائة وعشرين وهو قيمته يوم البيع؛ لأن البيع تعد ثان غير الأول كما قال إذا قتله، وعلى ما ذكر ابن شعبان عن أشهب وغيره: يأخذه بمائة وثلاثين؛ لأنها أعلى القيم في حين كونه في يد الغاصب. [ ص: 5774 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى قول ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: له أن يأخذ منه مائة وأربعين؛ لأنه حرمه إياها بما فعل من ذلك .

                                                                                                                                                                                        وإن حدث به عيب عند الغاصب أو عند الموهوب له كان المغصوب منه بالخيار بين أن يضمنه قيمته يوم الغصب، وتمضي الهبة أو يأخذه ثم ينظر في ذلك العيب، فإن حدث عند الغاصب خطأ أو عمدا أو عند الموهوب له خطأ كان مقاله في العيب مع الغاصب، وإن كان ذلك من الموهوب له عمدا كان له أن يأخذ قيمة العيب من الموهوب له وبه يبتدئ؛ لأن الغاصب لم يسلطه على قطع اليد عمدا بخلاف اللباس والأكل فإن وجده معسرا فحينئذ يرجع بذلك على الغاصب، وكذلك إذا قتله عمدا كان بالخيار بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب، وتمضي الهبة أو يضمن الموهوب له القيمة يوم القتل .

                                                                                                                                                                                        وإن جنى عليه أجنبي خطأ أو عمدا أو قتله كان المغصوب منه بالخيار بين أن يضمن الغاصب وتمضي الهبة وتكون المطالبة للموهوب له على الجاني أو يضمن الجاني ويكون ذلك ردا للهبة، والخطأ والعمد في ذلك سواء إذا كانت الجناية من أجنبي بخلاف أن تكون من الموهوب له أو المشتري خطأ؛ لأنه وضع يده بوجه شبهة وفيه اختلاف إذا كان الخطأ من الموهوب له أو المشتري، وله إذا حدث العيب عند الغاصب، ثم فات عند الموهوب له أن يأخذ من الغاصب قيمة ما نقصه العيب يوم الغصب، وقيمته معيبا يوم الهبة إذا كانت القيمة يوم الهبة أكثر منها يوم الغصب؛ لأن الهبة تعد ثان . [ ص: 5775 ]

                                                                                                                                                                                        وإن أعتقه الغاصب والعبد قائم العين لم يتغير بشيء لم يكن له إلا نقص العتق ويأخذه، وإن تغير بشيء كان له أن يأخذه بالقيمة يوم الغصب ويمضي العتق أو يرد العتق ويأخذه معيبا ويرجع عليه بقيمة العيب .

                                                                                                                                                                                        وإن أعتقه المشتري ثم أدركه صاحبه ولم يتغير كان بالخيار بين أن يجيز البيع ويمضي العتق أو يرد العتق ويأخذ عين عبده، وليس له أن يضمن الغاصب ولا المشتري؛ لأنه قادر على رد العتق ويأخذ عبده سليما، فإن دخله عيب عند المشتري كان له أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب، ويمضي البيع والعتق، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن، أو يرد العتق ويأخذه معيبا ويرجع على الغاصب بقيمة العيب على المستحق من القول .

                                                                                                                                                                                        وإن حدث العيب عند الغاصب كان له أن يأخذه بقيمة العيب يوم الغصب ثم يكون بالخيار بين أن يجيز البيع ويأخذ الثمن أو ينقض البيع ويرد العتق أو يضمنه قيمته جميعا إذا كان العيب كثيرا ويمضي البيع والعتق. [ ص: 5776 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية