الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الأمة تستحق بعد أن ولدت

                                                                                                                                                                                        ومن استحق أمة قد ولدت فإنه الولد لا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يكون من زنى أو نكاح والزوج يعلم أنها أمة أو لا يعلم، وتزوج على أنها حرة أو أصابها بملك يمين، فإن كان من زنى أو نكاح وهو يعلم أنها أمة، فإن الولد رقيق، وللمستحق أن يأخذ الأمة والولد، ولا فرق في ذلك في استرقاقهما، وإنما يفترقان في ثبات النسب فيسقط نسب من كان من زنى ويثبت نسب من كان من نكاح، فإن كان من نكاح وهو لا يعلم أو أصاب بملك يمين كان الولد حرا وليس للمستحق أن يأخذه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في أخذه الأم، فقال مالك وابن القاسم: يأخذها إذا كانت بنكاح . وفي مختصر ابن الجلاب: ليس له إلا قيمتها .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أصابها بالملك، فقال مالك مرة يأخذ الأمة وقيمة الولد يوم الحكم . وقال أيضا: يأخذ قيمتهما جميعا يوم الحكم ، ثم رجع إلى أن يأخذ قيمتها وحدها يوم حملت ، وهو آخر قوله وبه أفتى لما استحقت أم ولده إبراهيم، وبه أخذ ابن كنانة وابن أبي حازم وابن دينار وابن الماجشون والمغيرة، [ ص: 5854 ] وأخذ ابن القاسم بقوله الأول . وقال المغيرة: يأخذ الأم وقيمة الولد يوم ولد . فأجاز في القول الأول أخذها قياسا على رد عتقها لو أعتقها المشتري، ومنع في القول الآخر قياسا على ولدها.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا كان الأب ممن له قدر أن تقبل منه القيمة، وإن كان على غير ذلك كان لسيدها أن يأخذها، إلا أن يكون لسيدها تعلق بها فيكون له أخذها في الوجهين جميعا، فرفع الضرر عنه أولى من رفع الضرر عمن لا ملك له.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا رضي المستحق أن يأخذ القيمة وأحب الواطئ تسليمها، فقال ابن القاسم في كتاب القسم: ذلك له على وجه المستحق على القولين جميعا. وقال أشهب: ذلك للواطئ ولا يجبر على دفع القيمة.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا كان الولد حيا وعليه في تسليمها معرة أن يجبر على دفع القيمة، وإن كان الولد ميتا أو كان ممن لا قدر له لم يجبر.

                                                                                                                                                                                        وإن استحقت الأمة وهي حامل جرت على الأقوال الثلاثة، فعلى قوله الأول: إن للمستحق أن يأخذها تؤخر حتى تضع فيأخذها وقيمة الولد، فإن أسقطته قبل ذلك أو ماتت لم يكن له على الأب شيء.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله: إنه يأخذ قيمتها وقيمة الولد يأخذ قيمتها الآن على ما هي عليه ولا ينتظر الوضع.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله الآخر: ليس له إلا أن يأخذ قيمتها يوم حملت، وإن ماتت قبل المحاكمة لم تسقط عنه القيمة. [ ص: 5855 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف متى تكون على أحكام أم الولد، فعلى قوله، القيمة فيها يوم حملت تكون على حكم أم الولد من أول الحمل.

                                                                                                                                                                                        وعلى قوله: القيمة فيها يوم الحكم يختلف فيها، فعلى قول أشهب: لا تكون أم ولد إلا أن تأتي بولد بعد الافتداء؛ لأنه أجاز له أن يسلمها إن أحب. وأما على قول ابن القاسم أنه مجبور على دفع القيمة فيترجح القول فيها فيصح أن يقال أنها لا تكون أم ولد له؛ لأن الافتداء فيها الآن، ويصح أن تكون أم ولد قياسا على الولد أنه يدفع قيمته يوم الحكم وهو على أحكام الأحوار وهو في البطن إلى الآن وأن فيه الغرة إن طرح قبل الولادة والدية إن استهل صارخا، ويقتل قاتله عمدا إذا قتله بعد الولادة، وإذا كان كذلك فقد كان نماؤه وارتفاع قيمته من يوم ولد إلى يوم الحكم وهو حر، وقد يكون اليوم رجلا وله أولاد فإن مات الولد قبل الاستحقاق لم تسقط القيمة؛ لأنه مات وهو حر وورث بالحرية.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول مالك أن القيمة يوم الحكم؛ لأن الأب لم يكن متعديا بالإصابة فتعلق القيمة بذمته إن هلك قبل الاستحقاق؛ لأنه يقول: لو زوجتها وأتت بهذا الولد فمات قبل الاستحقاق لم أضمنه، فإذا كان مني لم أضمنه أيضا، فإذا لم أضمنه كانت القيمة يوم تعديه . [ ص: 5856 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية