الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في قسمة الشجر ومن ادعى دارا في يد رجل أو أنه وارث معه

                                                                                                                                                                                        قد تقدم القول أن ما تقاربت الأغراض فيه يجمع، وما تباعدت لم يجمع، فالنخيل والأعناب والزيتون والفواكه هذه الأربعة كل واحد منها صنف لا يجمع إلى الآخر بالقرعة والجبر .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا تراضوا على قسمته بالقرعة فأصل ابن القاسم في هذا المنع، وأشهب الإجازة.

                                                                                                                                                                                        وأجازه ابن القاسم مرة فيما قل فقال في رجلين بينهما نخلة وزيتونة: لا بأس أن يقتسماها بالتراضي إذا اعتدلتا في القسم وإن كرها لم يجبرا، وإن كانتا لا تعتدلان تقاوماهما أو باعاهما .

                                                                                                                                                                                        فقوله: إذا اعتدلتا دليل على إجازة ذلك بالقرعة؛ لأن التراضي لا يراعى فيه الاعتدال، وهذا للضرورة فيما قل كما أجاز في الأرض الواحدة، بخلاف أن يكثر النخل والشجر فإنه يقسم كل صنف بانفراده.

                                                                                                                                                                                        والنخيل على اختلاف أجناسها صنف يجمع في القسم، وإن صار لأحدهم برني وللآخر عجوة، ويستحسن إذا كان الجيد ناحية والرديء ناحية، وكل واحد يحمل القسم بانفراده أن يقسم على الانفراد. والزيتون كله صنف [ ص: 5883 ] وإن اختلفت أجناسه.

                                                                                                                                                                                        والعنب صنف، وإن كان منه الأبيض والأسود والصيفي والشتوي، ويستحسن إذا كان كل نوع ناحية ويحمل القسم بانفراده أن يقسم على الانفراد، فإن لم يفعلوا لم يفسخ وجعل ابن عبدوس تباينها في الفضل، كتباين الأرضين في الكرم وقد يحمل قوله على الاستحسان. واختلف في الفواكه كالتفاح والرمان والخوخ وغيرها.

                                                                                                                                                                                        فذهب ابن القاسم في المدونة إلى أنها صنف، فقال: إذا كان جنان فيه تفاح ورمان وخوخ وأترج وأنواع الفواكه وهي مختلطة، جمع لكل واحد نصيبه في موضع كما قال مالك في الحائط فيه البرني والصيحاني واللوز والجعرور أنه يقسم على القيمة ولا ينظر إلى ما يصير في حظ هذا من ألوان التمر، وإن كانت جنات، جنان تفاح على حدة وكل نوع على حدة، وكل واحد يحمل القسم، قسم كل جنان على حدته ، يريد: وإن لم يحمل القسم جمعت فشبه اختلاف الفواكه باختلاف النخيل. [ ص: 5884 ]

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في كتابه : إذا كانت الثمار مختلطة في الجنان، وكانت شبيهة بالتناصف في اختلاطها جاز جمعها، وإن كان أكثرها صنفا قسم ذلك الصنف بالسهم، وقسم ما سواه مختلطا إذا أشبهه وحكاه عن مالك، وإن كان كل صنف على حدته فالقسم في جميعه ممتنع إلا أن يقسم كل صنف على حدته، ويلزم على قول ابن القاسم مثل ذلك في النخيل إذا كان متباين الاختلاف، والجيد يحمل القسم بانفراده والرديء يحمل القسم أن يقسم كل شيء منه على الانفراد؛ لأنه يشبه اختلاف الفواكه باختلاف النخيل.

                                                                                                                                                                                        وقال في الفواكه إذا كان كل صنف يحمل القسم لم يجمع ، وهذا قول ابن عبدوس.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية