الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل فيمن استعار ثوبا فضاع يضمنه أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وهو في الثياب على سبعة أوجه: إما أن يدعي ضياعها أو يأتي بها وقد أبليت أو فيها خرق أو حرق نار أو سوس أو قرض فأر أو يدعي الرد فإن ادعى الضياع لم يصدق. واختلف إذا شهدت بذلك بينة فقال ابن القاسم عن مالك: ألا ضمان عليه وبه أخذ ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ، وروى عنه أشهب أنه ضامن وبه أخذ واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صفوان: "بل عارية مؤداة " .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأن العارية لم تنقل الملك، ومصيبة كل ملك من مالكه، وقياسا على المخدم إلا أن يكون يد الثاني بغير إذن من المالك بالغصب والتعدي، وأما الحديث فإن في بعض طرقه: فإن صفوان قال: أغصبا يا محمد: [ ص: 6029 ]

                                                                                                                                                                                        فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مؤداة" ، وقال أيضا: "مردودة" ، أي: ليس أخذها على الغصب، وليس يتضمن الحديث ضمانا ولا رد العوض، وإنما يتضمن رد العارية بنفسها، ومن استعار شيئا فرده بعينه فقد أداه، ومن أدى فقد رد، قال الله -عز وجل-: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [النساء: 58] وقال -عز وجل-: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك [آل عمران: 75] ومعلوم أنه لم يرد بهاتين الآيتين أن يؤدوا الأعواض عنها، وإذا كان الأداء يقع على رد الأعيان لم يكن في الحديث حجة أنه يضمن العوض إذا قامت البينة، فإن قيل: في بعض طرقه أنه قال: عارية مضمونة، قيل: يعارضه قوله عليه السلام: بل عارية مؤداة، وأيضا فقد روي أن صفوان قال: أعارية مضمونة أو عارية مؤداة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مؤداة" ، فلو كان إطلاق العارية يقتضي الضمان لم يفرق بين الموضعين وأيضا فإنه لو اتفقت الأحاديث على أنه قال مضمونة لكان ذلك لأجل الشرط الذي اشترط صفوان ليس لأجل موجب الحكم عند عدم الشرط وقد يشترط [ ص: 6030 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نظرا للمسلمين للضرورة التي كانت بالناس للأدراع والسلاح لحرب حنين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية